هل يكون “سيف العدل ” هو مبرر واشنطن لتوجيه ضربة لإيران بحجة انها    تطارد أمير القاعدة الجديد؟

فتحت واشنطن عبر وزارة خارجيتها مجددا ملف تنظيم  القاعدة ، وذلك عبر طرح  اشكالية  الى من الت اليه زعامة التنظيم بعد ايمن الظواهري الذي  كانت  واشنطن ادعت  العام الماضي انها قتلته  بهجوم صاروخي على منزله في كابول.

وقالت واشنطن ان معلوماتها المتقاطعة مع معلومات الأمم المتحدة تقول ان سيف العدل هو الذي خلف الظواهري..

وفي مغزى ثان يفسر  لماذا اختارت واشنطن هذه اللحظة للاعلان عن  تزعم سيف العدل لقيادة القاعدة، قالت الخارجية الأميركية  ان الاخير حسب معلوماتها  يقيم في ايران ، ما يشكل حسب الكلام الاميركي دليلا اخر على أن طهران توظف الارهاب في سياساتها الاقليمية؛ ووصف  وزير الخارجية الإيرانية  هذا الزعم الاميركي عن اقامة سيف العدل في إيران، بأنه مجرد اعلان مضلل.

والواقع انه عدا الاعلان الاميركي الذي قالت إن الأمم المتحدة تدعمه، لم يرد اي تأكيد اخر يثبت  مقتل الظواهري؛ علما أن تنظيم القاعدة بثت قبل فترة، وبعد تبني واشنطن اغتيال الظواهري، “شريط فيديو صوتي” نسبته للظواهري، وذلك في ايحاء بأنه لا يزال حيا .

.. غير ان مقتل الظواهري هو امر مؤكد،  بحسب مصادر قريبة يعتمد عليها في العادة لمعرفة ما يحدث داخل تنظيم القاعدة، ولكن ما هو غير مؤكد، هو كلام واشنطن عن ان سيف العدل ورث الظواهري؛ وايضا كلامها عن ان سيف العدل يقيم في ايران..

قراءة المزيد: هل يكون “سيف العدل ” هو مبرر واشنطن لتوجيه ضربة لإيران بحجة انها    تطارد أمير القاعدة الجديد؟

أما لماذ لم تعلن القاعدة  عن مقتل الظواهري، فإن ذلك  يعود  الى ان حركة طالبان لم ترد ان تتبنى مسؤولية استضافتها للظواهري في كابول خلال مرحلة توليه منصب امير القاعدة؛ ولذلك رفضت طالبان  الاعتراف بما قالته واشنطن عن انها قتلته في منزله في كابول؛ ولأن القاعدة تعتمد في تواجدها في افغانستان على حماية حركة  طالبان لها؛ فهي قررت مسايرتها ( اي طالبان)  بعدم الاعتراف بمقتل الظواهري..

 كما ان عدم اعتراف القاعدة  بمقتل الظواهري، يؤشر في جانب من خلفياته إلى حالة الاسترخاء التي  تسود بنية  القاعدة التنظيمية والمركزية منذ ما بعد غياب بن لادن ..

..  وبكل الاحوال، ووفقا لمختصين بشؤون الارهاب، فإنه بعد مقتل بن لادن ، لم يعد تنظيم القاعدة  هو ذاته لجهة انه ذاك التنظيم الحديدي والشديد المركزية.. والسبب هو ان بن لادن كان يحتكر كل امكانات القاعدة ومعظم اسرار شبكة خلاياها المنتشرة في انحاء العالم.. وعند موته اخذ معه بن لادن كل اسرار القاعدة وامواله، ولم يرث الظواهري منه الا لقب انه خليفته الذي لا يملك الا القليل من امكانات القاعدة المالية والبشرية..

أضف الى ذلك،  ان صعود نجم الدولة الاسلامية ( داعش) خلال العقد الاخير ، الحق بتنظيم القاعدة خسائر كبيرة على مستوى عديده، حيث عمد اهم كوادره الوسطيين، الى الالتحاق بداعش ..

ولكن من جهتها واشنطن يهمها اعلاميا ان تبقي الاضواء مسلطة على  القاعدة، بوصفها  لا تزال تملك جسدا تنظيميا له رأس مدبر ، وخلايا نائمة ومنفردة ( الذائب) هي عبارة عن اذرعه المنتشرة في كل انحاء العالم .. وهدف واشنطن من توزيع هذه الصورة عن القاعدة هو اظهارها أمام الرأي العام الأميركي بخاصة، والعالمي بعامة، على انها لا تزال عدوا جديا لاميركا، وليست نمرا من ورق .

أما لماذا تريد واشنطن ابقاء القاعدة داخل إطاريصورها على انها عدو مستديم ؛ فهذا يعود لسبب اساسي مفاده حرص أميركا على الاستمرار كل فترة بتوجيه ضربة مركزية لموقع الرأس في القاعدة ، اي اميرها؛ ومن ثم توزيع صورة هذا الإنجاز الأمني داخل اميركا،  على انه دليل على أن الولايات المتحدة الأميركية هي دولة لها القدرة المطلقة والدائمة على الانتقام من قتلة المواطنين الاميركيبن أينما وجدوا ومهما طال الزمن… 

والواقع ان واشنطن تعلم أن عملية ١١ سبتمبر التي نفذتها القاعدة في أميركا ، حفرت في وعي المواطن الأميركي اخدودا من التشوهات والتشكيك بقدرة الولايات المتحدة الأميركية  على حماية نفسها من الارهاب؛ وعليه فإن المستوى الامني والسياسي  الاميركي العميق ظل  يخطط دائما لأن يتم بين فترة واخرى توجيه ضربة معنوية مدوية لرأس القرار في القاعدة؛ ومن هنا  القرار بضرورة  قتل الظواهري بعد قتل بن لادن؛ علما ان كل المعطيات تقول ان الظواهري لم يكن حينما قتلته واشنطن ذاك الشخص الذي يشكل خطرا على اميركا ، لكونه في الفترة الاخيرة من حياته فقد القدرة على ادارة خلايا القاعدة حول العالم ، و حتى على  ادارة شؤونها المالية .. ولكن واشنطن تقصدت قتله، كي  تربح صورتها الاعلامية بنظر الرأي العام الاميركي،  بوصفها دولة قادرة على الانتقام المستديم؟؟ من قتلة مواطنيها..

.. وبمثلما ان القاعدة لم تعترف بمقتل الظواهري بعد اعلان واشنطن ذلك العام الماضي، فإنها الآن لم تعلق سلبا او ايجابا على الإعلان الاميركي عن ان سيف العدل هو من تبؤ منصب أمير القاعدة بعد مقتل الظواهري..

ومن حيث النسق المعروف عن البنية القيادة داخل القاعدة؛ فأن «سيف العدل»، و اسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان، هو من الأسماء التي كانت مرشحة لخلافة الظواهري، نظرا لتاريخه الطويل داخل مجتمع الحراك الجهادي العنفي والتكفيري. فسيف العدل كان بالاساس، عضوا بحركة «الجهاد» المصرية، وهي الجماعة الجهادية التي اندمجت رسمياً مع تنظيم «القاعدة» قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وهو من قيادات «القاعدة» منذ فترة طويلة.

وحسب سيرته الشخصية في الإضبارات الاستخباراتية فإن «سيف العدل» يبلغ من العمر 62 عام ، وصنفه مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي بأنه  واحد من أكثر «الإرهابيين» المطلوبين في العالم، ورصد مكافأة لمن يرشد إلى مكان وجوده تبلغ قيمتها 10 ملايين دولار… وكانت صوره قد انتشرت  في وقت سابق، في مراكز حساسة ليصار للتعرف عليه في حال تواجد بها .

ومع حلول  عام 2014  كانت ظهرت وثيقة حددت الشخصيات المرشحة لـ«خلافة الظواهري» بعد توافق عناصر التنظيم عليها، وتضمنت أبو الخير المصري (قتل عام 2017)، وأبو محمد المصري (قتل في عام 2020)، وأبو بصير الوحيشي (قتل في عام 2015)، و«سيف العدل»؛ وهو الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة من بين كل قادة  القاعدة المرشحين لتولي مركز الأمير فيها..

.. ولا شك أن فتح ملف سيف العدل من قبل واشنطن في هذه اللحظة،  هو مقدمة تمهد من خلالها واشنطن إعلاميا وسياسبا لتنفيذ عملية مزدوجة الأهداف: فمن ناحية تزعم ان هذه العملية أدت إلى قتل اخر قيادي بالقاعدة من  الجيل المشارك بتخطيط عملية  ١١ سبتمبر.. ومن ناحية ثانية تستغل  واشنطن انها تملك  المبرر السياسي  لتنفيذ هذه العملية داخل ايران، كون الأخيرة بحسب الاتهام الاميركي المستند إلى اتهام الأمم المتحدة،  تستضيف سيف العدل .. ويبدو واضحا ان اميركا فعليا تقصدت اثارة موضوع إقامة سيف العدل في ايران كي تجد فرصة سانحة لتوجيه ضربة لإيران تحت ستار انها تمارس حقها بتصفية سيف العدل ..  وما يؤكد هذا التوقع حول نية واشنطن توجيه ضربة لإيران تحت ستار مطاردة سيف العدل، هو تقصد واشنطن اقحام الأمم المتحدة بموضوع  انها تملك معلومات حول وجود سيف العدل في ايران .. وتريد واشنطن من هذه الجزئية القول لاحقا ان ضربتها لإيران بحجة البحث عن سيف العدل،  كانت بناء على معلومات يوجد لها تتمة و مستند قانوني في الأمم المتحدة.

جزيرة القرم واستراتيجية الأوهام الثلاث الأميركية

لا يمكن من ناحية منطقية، لواشنطن ولا لكييف، تجاهل تاريخا مديدا من الأهمية الاستراتيجية التي تشكلها جزيرة القرم لروسيا. ولكن في حال قررت واشنطن تجاهل هذه الحقيقة، وهذا ما تفعله الآن، فإن هذا يعني امرا واحدا، وهو ان اميركا تتقصد من جهة استفزاز موسكو، توصلا من جهة ثانية لاطالة مدة الحرب التي تعتقد واشنطن انه كلما طال امدها كلما نجحت خطتها باستنزاف روسيا وأوروبا على السواء في اتونها..

.. وتقوم  واشنطن باعتماد استراتيجية لاطالة أمد الحرب الاوكرانية، تستند على تنفيذ إمرين اساسيين إثنين: 

الاول تقديم الاغراءات الكاذبة والوعود المضللة لأوروبا،  كي تستمر لاطول فترة  بالتورط بتمويل وتسليح كييف ؛ وابرز الوعود والامال الكاذبة التي تقدمها واشنطن للاوروبيين في هذا المجال، هي  ” إيهام ” عاصمتي القرار في اوروبا (  المانيا وفرنسا ) بأن ” هناك  امكانية لهزيمة روسيا في أوكرانيا”؛ وانه يجب على اوروبا وضع كل ثقلها في تمويل وتسليح كييف لتحقيق هذا الهدف.

.. ويبدو ان كلا من باريس وبرلين وقعتا في هذا الفخ الاميركي،  بدليل التصريحين اللذين صدرا مؤخرا عن فرنسا والمانيا، وفحواهما ” ان الوقت الآن ليس للحوار مع روسيا في اوكرانيا، بل لإستمرار  الحرب”!!.

قراءة المزيد: جزيرة القرم واستراتيجية الأوهام الثلاث الأميركية

الأمر الثاني الذي تسعى واشنطن لتحقيقه بهدف إطالة أمد الحرب واستنزاف روسيا واوروبا في اتونها ، هو الحرص على ضرب أية فرصة أو جهد يحاول السعي لإنهاء الحرب في اوكرانيا ..  وترى واشنطن ان الوسيلة الأفضل التي تحول دون السماح  بالتوصل لتسوية تنهي الحرب الاوكرانية، هي  تكبيل كييف ودول الناتو والغرب بالتزام  مسبق، يقول انه لا سلم في أوكرانيا من دون نزع سلاح جزيرة القرم،  ومن دون اعتراف موسكو بأن القرم هي جزء من وحدة أراضيها التي من دون ضمانها لا يتحقق السلم بين روسيا واوكرانيا (!!). 

ان واشنطن وجماعة زيلنسكي في كييف،  يدركون تماما أن ربط وقف الحرب بشرط أن تخضع القرم لسيطرة اوكرانيا ، سيؤكد لموسكو بأنه لا كييف ولا واشنطن ترغبان بابرام تسوية معقولة معها لوقف الحرب في اوكرانيا؛ خاصة وان واشنطن وكييف تعلمان ان موسكو تعتبر اي محاولة سياسية كانت أم عسكرية لالحاق القرم باوكرانيا، هي بمثابة تجاوز للخطوط الحمر الروسية، ما يجعل موسكو ترد عليها بكل امكاناتها الدفاعية.

وهذا الموقف الروسي الحاسم والثابت من حقها في القرم، كانت اختبرته كييف عمليا، وذلك بدليل  ان السبب الذي قاد موسكو لتنفيذ العملية العسكرية الخاصة الحالية في اوكرانيا ، هو قرارها  بحماية القرم،  وذلك ردا على اعلان زيلنسكي حينها بأنه يتجه لشن هجوم مرتقب ضد القرم.. كما ان  كييف اختبرت عمليا كيف ان قيامها بالتفجير الارهابي للجسر في القرم. جعل موسكو ترد عليه بتنفيذ حملة استراتيجية استهدفت تدمير البنى التحتية الاوكرانية . وعليه؛ فإنه اذا كانت كييف ، وبالاساس اذا كانت ادارة بايدن،  تدرك بالدلائل السابقة العملية وبالتوقعات الواضحة، ان روسيا لن تقبل تحت اي ظرف بالتخلي عن جزيرة القرم ،  وانها سترد بكل امكاناتها الدفاعية الضخمة على اية محاولة من الناتو او كييف من هذا النوع. فإنه يصبح واضحا لماذا تصر واشنطن على رفع شعار انه قبل نزع سلاح القرم لن يتم التوصل لوقف الحرب الاوكرانية!!. ان هدف إدارة بايدن من ذلك، هو استخدام طرح قضية اعادة جزيرة القرم الى اوكرانيا ، كمصيدة  لقتل فرص التسوية في اوكرانيا من ناحية ، ولتحميل روسيا مسؤولية فشل التسوية هناك ، ما يجعل واشنطن تبعد نفسها عن الشبهات وهي تمعن بتحقيق خطتها الهادفة لاطالة أمد الحرب الاوكرانية ما يحقق أبرز اهدافها المتمثلة باستنزاف روسيا وأوروبا ..

 وفي هذا السياق يمكن القول بثقة،  ان هناك معيارا اساسيا، صار يمكن للعالم من خلاله فحص صدق  أو كذب  نوايا واشنطن بخصوص رغبتها بابرام تسوية للصراع في اوكرانيا، ومفاد هذا المعيار هو موقفها من القرم : ففي حال استمرت واشنطن – ومعها كييف-  بالاصرار  على ان السلام في اوكرانيا يشترط  فصل جزيرة القرم  عن روسيا، وضمه لاوكرانيا ،  فهذا يعني بوضوح  ان  الغرب يتلطى وراء هذا الموقف ليبرر رغبته بعدم ابرام تسوية وسلام  في اوكرانيا.. اما اذا اعترفت واشنطن بالحقوق والاعتبارات الروسية في القرم واوكرانيا؛ فإن هذا يعني ان إدارة بايدن راجعت خطأها المتمثل بالتخطيط لاشعال حرب اوكرانيا التي أدت إلى تهديد  الأمن الغذائي والاقتصادي باخطار جسيمة، والى تعريض اقتصاديات اوروبا والشرق الاوسط وكل الاسواق العالمية  الناشئة لتعثرات كبيرة. 

  وضمن هذا السياق يمكن القول ايضا أن أي مساندة من قبل دول أوروبا والشرق الأوسط لادعاء اميركا المضلل بان شرط وقف الحرب الاوكرانية هو استعادة كييف للقرم، انما يخدم خطة واشنطن الهادفة لاستمرار حرب اوكرانيا واطالة امدها،  وذلك على حساب مصالح السلم والامن العالمي. 

ولعل اخطر فكرة تسوقها حاليا اميركا عالميا وخاصة في اوروبا، هي الايحاء بأن هزيمة روسيا في أوكرانيا ممكنة، فيما لو دعمت اوروبا مجهود كييف التسليحي والحربي حتى النهاية. ويبدو ان الاوروبيين يسيرون كمسحورين وراء وهمين اثنين  تسوقه لهما  ادارة بايدن؛ ومفاد اولهما ” ان النصر على روسيا في اوكرانيا يجب ان يكون هدف الغرب الاستراتيجي  في الحرب  الاوكرانية “؛ والثاني يفيد ان  اخذ صورة النصر على روسيا في اوكرانيا ، ستتم من خلال مشهد ارغام روسيا على الخروج من القرم ، ودخول الناتو والجيش الاوكراني إليها كمحررين لها من الاحتلال الروسي”..

.. وقبل ايام صرحت واشنطن بأنه لن يكون هناك سلاما في اوكرانيا الا اذا تم نزع السلاح من القرم.. وواضح ان هذا التصريح يأتي في إطار وضع سقف عال لأية جهة دولية تريد التحرك من أجل إنهاء حرب اوكرانيا.. وبالأساس فإن هذا التصريح الأميركي يعكس رغبة واشنطن باحراج اية جهة اوروبية تريد رفع الصوت اعتراضا على الاستمرار في الحرب.

وفي هذه الجزئية يجب ملاحظة ان حرب اوكرانيا تمر حاليا في  لحظة بدء الحسم الروسي  على الجبهات العسكرية والسياسية  التي يوجد فيها ثقل استراتيجي ( التقدم الروسي مؤخرا على جبهة باخموت ومناطق الدونباس  ) والتي  يؤدي التعامل معها بالقوة المطلوبة – وهي قوة  تملكها موسكو وبدأت تمارسها –  إلى التسريع في إرغام حكام كييف والاوروبيين على التخلى عن الإستمرار بمسايرة وهم إمكانية تحقيق النصر على  موسكو في أوكرانيا، وايضا الاستمرار في تصديق وهم اخراج روسيا من القرم.

.. والفارق الجوهري الذي يحدث اليوم هو انه بينما روسيا تبنت عند  بدء عمليتها العسكرية الخاصة في اوكرانيا، مبدأ الاقتصاد بممارسة القوة العسكرية، نظرا لاعتبارات تخص رؤية ونظرة روسيا لجارتها اوكرانيا ، فإن روسيا اليوم تتجه لممارسة  القوة المطلوبة  في الجبهات التي تعتبرها جبهات تتسم  بثقل سياسي وعسكري واستراتيجي،  وسيؤدي التعامل معها بالقوة العسكرية  المطلوبة إلى  زيادة الضغط على كييف لارغامها على التفلت من  الدوران في فلك اوهام  استراتيجيات الناتو وادارة بايدن..   ولكن يلاحظ ان واشنطن في آخر محاولاتها للاستمرار بتسويق فكرة ان هزيمة روسيا في أوكرانيا ممكنة ، بدأت تروج لما يسمى صورة النصرة قي القرم..

..  وبحسب تسريبات اميركية،  فإن تحقق هذا السيناريو يفترض من ناحية توفر ظروف تسمح للناتو بالتدخل المباشر في حرب اوكرانيا؛ ويفترض من ناحية ثانية توفر  ظروف تسمح  بارغام روسيا على الانسحاب من القرم؛ وحينها سيتم أخذ “صورة النصر الغربي ” على روسيا في اوكرانيا.

 وتستمر واشنطن بمحاولة القفز عن حقائق القوة الروسية في اوكرانيا، عبر الامعان في  تسويق “ورقة وهم لدى كييف والاوروبيين، تتحدث عن ” إمكانية هزيمة روسيا في أوكرانيا”.

وتمارس واشنطن تسويق هذا الوهم عن طريق الترويج لخطة تفيد بأنه في لحظة توفر  “ظرف مناسب”، فإنه سيكون ممكنا  لاوكرانيا بدعم من الناتو أو حتى – لو توفر الظرف – بمشاركة فعلية من الناتو،  “شن عملية عسكرية خاطفة ” تدوم ” بضعة شهور”  تؤدي إلى اخراج روسيا من جزيرة القرم، والقيام عندها باعلان انتهاء  حرب اوكرانيا بانتصار الغرب، وعبر  اخذ “صورة النصر على موسكو” التي تنقل إلى العالم صورة  خروج الجيش الروسي من جزيرة القرم، ودخول جيش كييف والناتو اليها بمشهد المنتصر ، وذلك ” تحت يافطة تحريرها من الاحتلال الروسي واعادتها لسيادة كييف الديموقراطية والحرة (!!)” .

 ..ولعل  الباحث الفرنسي  برونو تيرتريه، نائب مدير مؤسسة البحوث الإستراتيجية، هو اكثر من يقدم صورة واضحة عن ما يسمى ” بسيناريو  واشنطن لأخذ صورة النصر على موسكو في القرم”.

يعدد تيرتريه في مقالة نشرها مؤخرا في  مجلة ” لوبوان” الفرنسية ما يسميه الأسباب التي تسمح للغرب بالتدخل المباشر في حرب اوكرانيا إلى جانب كييف ضد روسيا، ويختصر هذه الأسباب بثلاثة تطورات و حالات ؛ اولها ان تقوم روسيا بمهاجمة اراض أوروبية ، والثاني استخدام روسيا الأسلحة الكيميائية او اختراق الجيش الروسي نحو أوديسا، وتحقيق “الربط الإقليمي” بين أراضيه وترانسنيستريا بمولدوفا، مما يجعل رومانيا التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي ناتو، تشعر بالتهديد.

أما الحالة او التطور الثالث الذي يتقصد تيرتريه تعميمه، فهو يتحدث عن ” سيناريو قيام كييف  باطلاق  عملية عسكرية خاطفة لاستعادة أراضيها من روسيا، والمقصود هنا جزيرة القرم… ويطلق تيرتريه على هذا السيناريو وصف انها عملية خاطفة تدوم لعدة شهور، كما فعلت كرواتيا صيف عام 1995.

 ورغم أن تيرتريه يعترف بأنه ربما كان سيناريو شن أوكرانيا عملية عسكرية خاطفة لاستعادة القرم يشارك بها الناتو، هو امر مستبعد اليوم، الا أن تيرتريه يقول ان حدوث هذا الامر قد لا يكون وفق الخطط الأميركية والناتو  أمرا  مستبعدا غدا، ذلك  انه حق المراقب ان يستبق الامور ويتساءل منذ الآن  عن دلالة تصريح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، الذي قال فيه يوم 15 مايو/أيار الماضي إن أوكرانيا “يمكنها الانتصار في الحرب على روسيا “؛ لأن مفهوم “كسب الحرب” قد يكون له معنى مختلف لدى كييف وواشنطن وبروكسل، إذ تؤيد الدول الغربية دائما مبدأ وحدة أراضي أوكرانيا، اي شن حرب لاستعادة القرم (!!).

وهنا، ينبه تيرتريه إلى ما أكده زعماء مجموعة السبع للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من “تضامنهم الكامل ودعمهم أوكرانيا التي تدافع بشجاعة عن سيادتها وسلامتها الإقليمية من أجل مستقبل سلمي ومزدهر وديمقراطية داخل حدودها المعترف بها”، في إشارة بحسب تيرتريه الى أنهم لا يعترفون بانفصال الدونباس ولا بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا ..

لم يعد خافيا ان واشنطن تقود اوروبا إلى استنزافها في اوكرانيا ، وتقود سلطة كييف  إلى الاسهام في استكمال  حرق بلدها، وذلك  من خلال الايحاء إلى هذه الأطراف بثلاثة اوهام مدمرة لها ولاقتصاديات العالم: الأول أن الإستمرار بالحرب يجعل امكانية هزيمة روسيا في اوكرانيا ممكنة. والثاني ان  عدم اعتراف الغرب وكييف بضم روسيا  للقرم،   هو المدخل الوحيد للسلام في اوكرانيا.  والثالث ان المطلوب انتظار “ظرف” يبرر  للغرب التدخل الفعلي في اوكرانيا لتحقيق هزيمة روسيا هناك ؛ وحينها سيكون ممكنا – دائما بحسب مخيلة ادارة بايدن- اخذ صورة النصر الغربي على روسيا من خلال نقل مشهد تلفزيوني للعالم يظهر انسحاب الجيش الروسي منهزما من القرم ودخول جيوش الناتو واوكرانيا منتصرين الى الجزيرة.. وهذه الصورة سيكون لها من حيث معناها السياسي الاستراتيجي-  بحسب استراتيجية الاوهام الثلاث الأميركية-  نفس المعنى الاستراتيجي لانهيار جدار برلين الذي اشار انذاك الى رمزية انهيار الاتحاد السوفياتي وانتصار الغرب.. ان ما يمكن تسميته باستراتيجية الأوهام الأميركية الثلاث ( ١- امكانية النصر على روسيا في اوكرانيا؛ ٢- اخراج روسيا من القرم ؛ ٣- جعل صورة اخراج روسيا من القرم تشبه بمعناها السياسي انهيار جدار برلين) ،  لن تقود بالطبع إلى تحقيق السيناريوهات التي نقلها عن احلام الناتو،  تيرتريه في مقالة  بمجلة  لوبوان، بل ستقود بالتأكيد الى المزيد من التداعيات الكارثية على اقتصاديات العالم وبضمنه اقتصاديات اوروبا والشرق الاوسط.