هل يكون “سيف العدل ” هو مبرر واشنطن لتوجيه ضربة لإيران بحجة انها    تطارد أمير القاعدة الجديد؟

فتحت واشنطن عبر وزارة خارجيتها مجددا ملف تنظيم  القاعدة ، وذلك عبر طرح  اشكالية  الى من الت اليه زعامة التنظيم بعد ايمن الظواهري الذي  كانت  واشنطن ادعت  العام الماضي انها قتلته  بهجوم صاروخي على منزله في كابول.

وقالت واشنطن ان معلوماتها المتقاطعة مع معلومات الأمم المتحدة تقول ان سيف العدل هو الذي خلف الظواهري..

وفي مغزى ثان يفسر  لماذا اختارت واشنطن هذه اللحظة للاعلان عن  تزعم سيف العدل لقيادة القاعدة، قالت الخارجية الأميركية  ان الاخير حسب معلوماتها  يقيم في ايران ، ما يشكل حسب الكلام الاميركي دليلا اخر على أن طهران توظف الارهاب في سياساتها الاقليمية؛ ووصف  وزير الخارجية الإيرانية  هذا الزعم الاميركي عن اقامة سيف العدل في إيران، بأنه مجرد اعلان مضلل.

والواقع انه عدا الاعلان الاميركي الذي قالت إن الأمم المتحدة تدعمه، لم يرد اي تأكيد اخر يثبت  مقتل الظواهري؛ علما أن تنظيم القاعدة بثت قبل فترة، وبعد تبني واشنطن اغتيال الظواهري، “شريط فيديو صوتي” نسبته للظواهري، وذلك في ايحاء بأنه لا يزال حيا .

.. غير ان مقتل الظواهري هو امر مؤكد،  بحسب مصادر قريبة يعتمد عليها في العادة لمعرفة ما يحدث داخل تنظيم القاعدة، ولكن ما هو غير مؤكد، هو كلام واشنطن عن ان سيف العدل ورث الظواهري؛ وايضا كلامها عن ان سيف العدل يقيم في ايران..

قراءة المزيد: هل يكون “سيف العدل ” هو مبرر واشنطن لتوجيه ضربة لإيران بحجة انها    تطارد أمير القاعدة الجديد؟

أما لماذ لم تعلن القاعدة  عن مقتل الظواهري، فإن ذلك  يعود  الى ان حركة طالبان لم ترد ان تتبنى مسؤولية استضافتها للظواهري في كابول خلال مرحلة توليه منصب امير القاعدة؛ ولذلك رفضت طالبان  الاعتراف بما قالته واشنطن عن انها قتلته في منزله في كابول؛ ولأن القاعدة تعتمد في تواجدها في افغانستان على حماية حركة  طالبان لها؛ فهي قررت مسايرتها ( اي طالبان)  بعدم الاعتراف بمقتل الظواهري..

 كما ان عدم اعتراف القاعدة  بمقتل الظواهري، يؤشر في جانب من خلفياته إلى حالة الاسترخاء التي  تسود بنية  القاعدة التنظيمية والمركزية منذ ما بعد غياب بن لادن ..

..  وبكل الاحوال، ووفقا لمختصين بشؤون الارهاب، فإنه بعد مقتل بن لادن ، لم يعد تنظيم القاعدة  هو ذاته لجهة انه ذاك التنظيم الحديدي والشديد المركزية.. والسبب هو ان بن لادن كان يحتكر كل امكانات القاعدة ومعظم اسرار شبكة خلاياها المنتشرة في انحاء العالم.. وعند موته اخذ معه بن لادن كل اسرار القاعدة وامواله، ولم يرث الظواهري منه الا لقب انه خليفته الذي لا يملك الا القليل من امكانات القاعدة المالية والبشرية..

أضف الى ذلك،  ان صعود نجم الدولة الاسلامية ( داعش) خلال العقد الاخير ، الحق بتنظيم القاعدة خسائر كبيرة على مستوى عديده، حيث عمد اهم كوادره الوسطيين، الى الالتحاق بداعش ..

ولكن من جهتها واشنطن يهمها اعلاميا ان تبقي الاضواء مسلطة على  القاعدة، بوصفها  لا تزال تملك جسدا تنظيميا له رأس مدبر ، وخلايا نائمة ومنفردة ( الذائب) هي عبارة عن اذرعه المنتشرة في كل انحاء العالم .. وهدف واشنطن من توزيع هذه الصورة عن القاعدة هو اظهارها أمام الرأي العام الأميركي بخاصة، والعالمي بعامة، على انها لا تزال عدوا جديا لاميركا، وليست نمرا من ورق .

أما لماذا تريد واشنطن ابقاء القاعدة داخل إطاريصورها على انها عدو مستديم ؛ فهذا يعود لسبب اساسي مفاده حرص أميركا على الاستمرار كل فترة بتوجيه ضربة مركزية لموقع الرأس في القاعدة ، اي اميرها؛ ومن ثم توزيع صورة هذا الإنجاز الأمني داخل اميركا،  على انه دليل على أن الولايات المتحدة الأميركية هي دولة لها القدرة المطلقة والدائمة على الانتقام من قتلة المواطنين الاميركيبن أينما وجدوا ومهما طال الزمن… 

والواقع ان واشنطن تعلم أن عملية ١١ سبتمبر التي نفذتها القاعدة في أميركا ، حفرت في وعي المواطن الأميركي اخدودا من التشوهات والتشكيك بقدرة الولايات المتحدة الأميركية  على حماية نفسها من الارهاب؛ وعليه فإن المستوى الامني والسياسي  الاميركي العميق ظل  يخطط دائما لأن يتم بين فترة واخرى توجيه ضربة معنوية مدوية لرأس القرار في القاعدة؛ ومن هنا  القرار بضرورة  قتل الظواهري بعد قتل بن لادن؛ علما ان كل المعطيات تقول ان الظواهري لم يكن حينما قتلته واشنطن ذاك الشخص الذي يشكل خطرا على اميركا ، لكونه في الفترة الاخيرة من حياته فقد القدرة على ادارة خلايا القاعدة حول العالم ، و حتى على  ادارة شؤونها المالية .. ولكن واشنطن تقصدت قتله، كي  تربح صورتها الاعلامية بنظر الرأي العام الاميركي،  بوصفها دولة قادرة على الانتقام المستديم؟؟ من قتلة مواطنيها..

.. وبمثلما ان القاعدة لم تعترف بمقتل الظواهري بعد اعلان واشنطن ذلك العام الماضي، فإنها الآن لم تعلق سلبا او ايجابا على الإعلان الاميركي عن ان سيف العدل هو من تبؤ منصب أمير القاعدة بعد مقتل الظواهري..

ومن حيث النسق المعروف عن البنية القيادة داخل القاعدة؛ فأن «سيف العدل»، و اسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان، هو من الأسماء التي كانت مرشحة لخلافة الظواهري، نظرا لتاريخه الطويل داخل مجتمع الحراك الجهادي العنفي والتكفيري. فسيف العدل كان بالاساس، عضوا بحركة «الجهاد» المصرية، وهي الجماعة الجهادية التي اندمجت رسمياً مع تنظيم «القاعدة» قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وهو من قيادات «القاعدة» منذ فترة طويلة.

وحسب سيرته الشخصية في الإضبارات الاستخباراتية فإن «سيف العدل» يبلغ من العمر 62 عام ، وصنفه مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي بأنه  واحد من أكثر «الإرهابيين» المطلوبين في العالم، ورصد مكافأة لمن يرشد إلى مكان وجوده تبلغ قيمتها 10 ملايين دولار… وكانت صوره قد انتشرت  في وقت سابق، في مراكز حساسة ليصار للتعرف عليه في حال تواجد بها .

ومع حلول  عام 2014  كانت ظهرت وثيقة حددت الشخصيات المرشحة لـ«خلافة الظواهري» بعد توافق عناصر التنظيم عليها، وتضمنت أبو الخير المصري (قتل عام 2017)، وأبو محمد المصري (قتل في عام 2020)، وأبو بصير الوحيشي (قتل في عام 2015)، و«سيف العدل»؛ وهو الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة من بين كل قادة  القاعدة المرشحين لتولي مركز الأمير فيها..

.. ولا شك أن فتح ملف سيف العدل من قبل واشنطن في هذه اللحظة،  هو مقدمة تمهد من خلالها واشنطن إعلاميا وسياسبا لتنفيذ عملية مزدوجة الأهداف: فمن ناحية تزعم ان هذه العملية أدت إلى قتل اخر قيادي بالقاعدة من  الجيل المشارك بتخطيط عملية  ١١ سبتمبر.. ومن ناحية ثانية تستغل  واشنطن انها تملك  المبرر السياسي  لتنفيذ هذه العملية داخل ايران، كون الأخيرة بحسب الاتهام الاميركي المستند إلى اتهام الأمم المتحدة،  تستضيف سيف العدل .. ويبدو واضحا ان اميركا فعليا تقصدت اثارة موضوع إقامة سيف العدل في ايران كي تجد فرصة سانحة لتوجيه ضربة لإيران تحت ستار انها تمارس حقها بتصفية سيف العدل ..  وما يؤكد هذا التوقع حول نية واشنطن توجيه ضربة لإيران تحت ستار مطاردة سيف العدل، هو تقصد واشنطن اقحام الأمم المتحدة بموضوع  انها تملك معلومات حول وجود سيف العدل في ايران .. وتريد واشنطن من هذه الجزئية القول لاحقا ان ضربتها لإيران بحجة البحث عن سيف العدل،  كانت بناء على معلومات يوجد لها تتمة و مستند قانوني في الأمم المتحدة.

جزيرة القرم واستراتيجية الأوهام الثلاث الأميركية

لا يمكن من ناحية منطقية، لواشنطن ولا لكييف، تجاهل تاريخا مديدا من الأهمية الاستراتيجية التي تشكلها جزيرة القرم لروسيا. ولكن في حال قررت واشنطن تجاهل هذه الحقيقة، وهذا ما تفعله الآن، فإن هذا يعني امرا واحدا، وهو ان اميركا تتقصد من جهة استفزاز موسكو، توصلا من جهة ثانية لاطالة مدة الحرب التي تعتقد واشنطن انه كلما طال امدها كلما نجحت خطتها باستنزاف روسيا وأوروبا على السواء في اتونها..

.. وتقوم  واشنطن باعتماد استراتيجية لاطالة أمد الحرب الاوكرانية، تستند على تنفيذ إمرين اساسيين إثنين: 

الاول تقديم الاغراءات الكاذبة والوعود المضللة لأوروبا،  كي تستمر لاطول فترة  بالتورط بتمويل وتسليح كييف ؛ وابرز الوعود والامال الكاذبة التي تقدمها واشنطن للاوروبيين في هذا المجال، هي  ” إيهام ” عاصمتي القرار في اوروبا (  المانيا وفرنسا ) بأن ” هناك  امكانية لهزيمة روسيا في أوكرانيا”؛ وانه يجب على اوروبا وضع كل ثقلها في تمويل وتسليح كييف لتحقيق هذا الهدف.

.. ويبدو ان كلا من باريس وبرلين وقعتا في هذا الفخ الاميركي،  بدليل التصريحين اللذين صدرا مؤخرا عن فرنسا والمانيا، وفحواهما ” ان الوقت الآن ليس للحوار مع روسيا في اوكرانيا، بل لإستمرار  الحرب”!!.

قراءة المزيد: جزيرة القرم واستراتيجية الأوهام الثلاث الأميركية

الأمر الثاني الذي تسعى واشنطن لتحقيقه بهدف إطالة أمد الحرب واستنزاف روسيا واوروبا في اتونها ، هو الحرص على ضرب أية فرصة أو جهد يحاول السعي لإنهاء الحرب في اوكرانيا ..  وترى واشنطن ان الوسيلة الأفضل التي تحول دون السماح  بالتوصل لتسوية تنهي الحرب الاوكرانية، هي  تكبيل كييف ودول الناتو والغرب بالتزام  مسبق، يقول انه لا سلم في أوكرانيا من دون نزع سلاح جزيرة القرم،  ومن دون اعتراف موسكو بأن القرم هي جزء من وحدة أراضيها التي من دون ضمانها لا يتحقق السلم بين روسيا واوكرانيا (!!). 

ان واشنطن وجماعة زيلنسكي في كييف،  يدركون تماما أن ربط وقف الحرب بشرط أن تخضع القرم لسيطرة اوكرانيا ، سيؤكد لموسكو بأنه لا كييف ولا واشنطن ترغبان بابرام تسوية معقولة معها لوقف الحرب في اوكرانيا؛ خاصة وان واشنطن وكييف تعلمان ان موسكو تعتبر اي محاولة سياسية كانت أم عسكرية لالحاق القرم باوكرانيا، هي بمثابة تجاوز للخطوط الحمر الروسية، ما يجعل موسكو ترد عليها بكل امكاناتها الدفاعية.

وهذا الموقف الروسي الحاسم والثابت من حقها في القرم، كانت اختبرته كييف عمليا، وذلك بدليل  ان السبب الذي قاد موسكو لتنفيذ العملية العسكرية الخاصة الحالية في اوكرانيا ، هو قرارها  بحماية القرم،  وذلك ردا على اعلان زيلنسكي حينها بأنه يتجه لشن هجوم مرتقب ضد القرم.. كما ان  كييف اختبرت عمليا كيف ان قيامها بالتفجير الارهابي للجسر في القرم. جعل موسكو ترد عليه بتنفيذ حملة استراتيجية استهدفت تدمير البنى التحتية الاوكرانية . وعليه؛ فإنه اذا كانت كييف ، وبالاساس اذا كانت ادارة بايدن،  تدرك بالدلائل السابقة العملية وبالتوقعات الواضحة، ان روسيا لن تقبل تحت اي ظرف بالتخلي عن جزيرة القرم ،  وانها سترد بكل امكاناتها الدفاعية الضخمة على اية محاولة من الناتو او كييف من هذا النوع. فإنه يصبح واضحا لماذا تصر واشنطن على رفع شعار انه قبل نزع سلاح القرم لن يتم التوصل لوقف الحرب الاوكرانية!!. ان هدف إدارة بايدن من ذلك، هو استخدام طرح قضية اعادة جزيرة القرم الى اوكرانيا ، كمصيدة  لقتل فرص التسوية في اوكرانيا من ناحية ، ولتحميل روسيا مسؤولية فشل التسوية هناك ، ما يجعل واشنطن تبعد نفسها عن الشبهات وهي تمعن بتحقيق خطتها الهادفة لاطالة أمد الحرب الاوكرانية ما يحقق أبرز اهدافها المتمثلة باستنزاف روسيا وأوروبا ..

 وفي هذا السياق يمكن القول بثقة،  ان هناك معيارا اساسيا، صار يمكن للعالم من خلاله فحص صدق  أو كذب  نوايا واشنطن بخصوص رغبتها بابرام تسوية للصراع في اوكرانيا، ومفاد هذا المعيار هو موقفها من القرم : ففي حال استمرت واشنطن – ومعها كييف-  بالاصرار  على ان السلام في اوكرانيا يشترط  فصل جزيرة القرم  عن روسيا، وضمه لاوكرانيا ،  فهذا يعني بوضوح  ان  الغرب يتلطى وراء هذا الموقف ليبرر رغبته بعدم ابرام تسوية وسلام  في اوكرانيا.. اما اذا اعترفت واشنطن بالحقوق والاعتبارات الروسية في القرم واوكرانيا؛ فإن هذا يعني ان إدارة بايدن راجعت خطأها المتمثل بالتخطيط لاشعال حرب اوكرانيا التي أدت إلى تهديد  الأمن الغذائي والاقتصادي باخطار جسيمة، والى تعريض اقتصاديات اوروبا والشرق الاوسط وكل الاسواق العالمية  الناشئة لتعثرات كبيرة. 

  وضمن هذا السياق يمكن القول ايضا أن أي مساندة من قبل دول أوروبا والشرق الأوسط لادعاء اميركا المضلل بان شرط وقف الحرب الاوكرانية هو استعادة كييف للقرم، انما يخدم خطة واشنطن الهادفة لاستمرار حرب اوكرانيا واطالة امدها،  وذلك على حساب مصالح السلم والامن العالمي. 

ولعل اخطر فكرة تسوقها حاليا اميركا عالميا وخاصة في اوروبا، هي الايحاء بأن هزيمة روسيا في أوكرانيا ممكنة، فيما لو دعمت اوروبا مجهود كييف التسليحي والحربي حتى النهاية. ويبدو ان الاوروبيين يسيرون كمسحورين وراء وهمين اثنين  تسوقه لهما  ادارة بايدن؛ ومفاد اولهما ” ان النصر على روسيا في اوكرانيا يجب ان يكون هدف الغرب الاستراتيجي  في الحرب  الاوكرانية “؛ والثاني يفيد ان  اخذ صورة النصر على روسيا في اوكرانيا ، ستتم من خلال مشهد ارغام روسيا على الخروج من القرم ، ودخول الناتو والجيش الاوكراني إليها كمحررين لها من الاحتلال الروسي”..

.. وقبل ايام صرحت واشنطن بأنه لن يكون هناك سلاما في اوكرانيا الا اذا تم نزع السلاح من القرم.. وواضح ان هذا التصريح يأتي في إطار وضع سقف عال لأية جهة دولية تريد التحرك من أجل إنهاء حرب اوكرانيا.. وبالأساس فإن هذا التصريح الأميركي يعكس رغبة واشنطن باحراج اية جهة اوروبية تريد رفع الصوت اعتراضا على الاستمرار في الحرب.

وفي هذه الجزئية يجب ملاحظة ان حرب اوكرانيا تمر حاليا في  لحظة بدء الحسم الروسي  على الجبهات العسكرية والسياسية  التي يوجد فيها ثقل استراتيجي ( التقدم الروسي مؤخرا على جبهة باخموت ومناطق الدونباس  ) والتي  يؤدي التعامل معها بالقوة المطلوبة – وهي قوة  تملكها موسكو وبدأت تمارسها –  إلى التسريع في إرغام حكام كييف والاوروبيين على التخلى عن الإستمرار بمسايرة وهم إمكانية تحقيق النصر على  موسكو في أوكرانيا، وايضا الاستمرار في تصديق وهم اخراج روسيا من القرم.

.. والفارق الجوهري الذي يحدث اليوم هو انه بينما روسيا تبنت عند  بدء عمليتها العسكرية الخاصة في اوكرانيا، مبدأ الاقتصاد بممارسة القوة العسكرية، نظرا لاعتبارات تخص رؤية ونظرة روسيا لجارتها اوكرانيا ، فإن روسيا اليوم تتجه لممارسة  القوة المطلوبة  في الجبهات التي تعتبرها جبهات تتسم  بثقل سياسي وعسكري واستراتيجي،  وسيؤدي التعامل معها بالقوة العسكرية  المطلوبة إلى  زيادة الضغط على كييف لارغامها على التفلت من  الدوران في فلك اوهام  استراتيجيات الناتو وادارة بايدن..   ولكن يلاحظ ان واشنطن في آخر محاولاتها للاستمرار بتسويق فكرة ان هزيمة روسيا في أوكرانيا ممكنة ، بدأت تروج لما يسمى صورة النصرة قي القرم..

..  وبحسب تسريبات اميركية،  فإن تحقق هذا السيناريو يفترض من ناحية توفر ظروف تسمح للناتو بالتدخل المباشر في حرب اوكرانيا؛ ويفترض من ناحية ثانية توفر  ظروف تسمح  بارغام روسيا على الانسحاب من القرم؛ وحينها سيتم أخذ “صورة النصر الغربي ” على روسيا في اوكرانيا.

 وتستمر واشنطن بمحاولة القفز عن حقائق القوة الروسية في اوكرانيا، عبر الامعان في  تسويق “ورقة وهم لدى كييف والاوروبيين، تتحدث عن ” إمكانية هزيمة روسيا في أوكرانيا”.

وتمارس واشنطن تسويق هذا الوهم عن طريق الترويج لخطة تفيد بأنه في لحظة توفر  “ظرف مناسب”، فإنه سيكون ممكنا  لاوكرانيا بدعم من الناتو أو حتى – لو توفر الظرف – بمشاركة فعلية من الناتو،  “شن عملية عسكرية خاطفة ” تدوم ” بضعة شهور”  تؤدي إلى اخراج روسيا من جزيرة القرم، والقيام عندها باعلان انتهاء  حرب اوكرانيا بانتصار الغرب، وعبر  اخذ “صورة النصر على موسكو” التي تنقل إلى العالم صورة  خروج الجيش الروسي من جزيرة القرم، ودخول جيش كييف والناتو اليها بمشهد المنتصر ، وذلك ” تحت يافطة تحريرها من الاحتلال الروسي واعادتها لسيادة كييف الديموقراطية والحرة (!!)” .

 ..ولعل  الباحث الفرنسي  برونو تيرتريه، نائب مدير مؤسسة البحوث الإستراتيجية، هو اكثر من يقدم صورة واضحة عن ما يسمى ” بسيناريو  واشنطن لأخذ صورة النصر على موسكو في القرم”.

يعدد تيرتريه في مقالة نشرها مؤخرا في  مجلة ” لوبوان” الفرنسية ما يسميه الأسباب التي تسمح للغرب بالتدخل المباشر في حرب اوكرانيا إلى جانب كييف ضد روسيا، ويختصر هذه الأسباب بثلاثة تطورات و حالات ؛ اولها ان تقوم روسيا بمهاجمة اراض أوروبية ، والثاني استخدام روسيا الأسلحة الكيميائية او اختراق الجيش الروسي نحو أوديسا، وتحقيق “الربط الإقليمي” بين أراضيه وترانسنيستريا بمولدوفا، مما يجعل رومانيا التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي ناتو، تشعر بالتهديد.

أما الحالة او التطور الثالث الذي يتقصد تيرتريه تعميمه، فهو يتحدث عن ” سيناريو قيام كييف  باطلاق  عملية عسكرية خاطفة لاستعادة أراضيها من روسيا، والمقصود هنا جزيرة القرم… ويطلق تيرتريه على هذا السيناريو وصف انها عملية خاطفة تدوم لعدة شهور، كما فعلت كرواتيا صيف عام 1995.

 ورغم أن تيرتريه يعترف بأنه ربما كان سيناريو شن أوكرانيا عملية عسكرية خاطفة لاستعادة القرم يشارك بها الناتو، هو امر مستبعد اليوم، الا أن تيرتريه يقول ان حدوث هذا الامر قد لا يكون وفق الخطط الأميركية والناتو  أمرا  مستبعدا غدا، ذلك  انه حق المراقب ان يستبق الامور ويتساءل منذ الآن  عن دلالة تصريح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، الذي قال فيه يوم 15 مايو/أيار الماضي إن أوكرانيا “يمكنها الانتصار في الحرب على روسيا “؛ لأن مفهوم “كسب الحرب” قد يكون له معنى مختلف لدى كييف وواشنطن وبروكسل، إذ تؤيد الدول الغربية دائما مبدأ وحدة أراضي أوكرانيا، اي شن حرب لاستعادة القرم (!!).

وهنا، ينبه تيرتريه إلى ما أكده زعماء مجموعة السبع للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من “تضامنهم الكامل ودعمهم أوكرانيا التي تدافع بشجاعة عن سيادتها وسلامتها الإقليمية من أجل مستقبل سلمي ومزدهر وديمقراطية داخل حدودها المعترف بها”، في إشارة بحسب تيرتريه الى أنهم لا يعترفون بانفصال الدونباس ولا بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا ..

لم يعد خافيا ان واشنطن تقود اوروبا إلى استنزافها في اوكرانيا ، وتقود سلطة كييف  إلى الاسهام في استكمال  حرق بلدها، وذلك  من خلال الايحاء إلى هذه الأطراف بثلاثة اوهام مدمرة لها ولاقتصاديات العالم: الأول أن الإستمرار بالحرب يجعل امكانية هزيمة روسيا في اوكرانيا ممكنة. والثاني ان  عدم اعتراف الغرب وكييف بضم روسيا  للقرم،   هو المدخل الوحيد للسلام في اوكرانيا.  والثالث ان المطلوب انتظار “ظرف” يبرر  للغرب التدخل الفعلي في اوكرانيا لتحقيق هزيمة روسيا هناك ؛ وحينها سيكون ممكنا – دائما بحسب مخيلة ادارة بايدن- اخذ صورة النصر الغربي على روسيا من خلال نقل مشهد تلفزيوني للعالم يظهر انسحاب الجيش الروسي منهزما من القرم ودخول جيوش الناتو واوكرانيا منتصرين الى الجزيرة.. وهذه الصورة سيكون لها من حيث معناها السياسي الاستراتيجي-  بحسب استراتيجية الاوهام الثلاث الأميركية-  نفس المعنى الاستراتيجي لانهيار جدار برلين الذي اشار انذاك الى رمزية انهيار الاتحاد السوفياتي وانتصار الغرب.. ان ما يمكن تسميته باستراتيجية الأوهام الأميركية الثلاث ( ١- امكانية النصر على روسيا في اوكرانيا؛ ٢- اخراج روسيا من القرم ؛ ٣- جعل صورة اخراج روسيا من القرم تشبه بمعناها السياسي انهيار جدار برلين) ،  لن تقود بالطبع إلى تحقيق السيناريوهات التي نقلها عن احلام الناتو،  تيرتريه في مقالة  بمجلة  لوبوان، بل ستقود بالتأكيد الى المزيد من التداعيات الكارثية على اقتصاديات العالم وبضمنه اقتصاديات اوروبا والشرق الاوسط.

أنقرة وسياسات ” فرق تسد” في ليبيا

تؤدي أنقرة داخل الأزمة الليبية دورا معطلا للحلول ، و بات واضحا أنه  يهدف الى زعزعة الإستقرار في هذا البلد الذي يعتبره الرئيس التركي رجب طيب  أردغان أنه جزء من الأرث التاريخي لنفوذ  تركيا العثمانية .

والواقع أن أردوغان ينظر إلى ليبيا من ثقب باب قصور السلاطين العثمانيين، ويعتقد بعمق  أن هذا المجد العثماني القديم،  يتوجب إعادة إحيائه، وذلك عبر أساليب، وأن كانت  تحاول أن تبدو حديثة؛  إلا أنها تخدم ذات الأهداف العثمانية البالية القديمة.

ومن منظور الأردوغانية العثمانية، فان السيطرة من قبل تركيا على ليبيا،  يعد واحدا من  الأهداف الهامة التي  لا بد من تحقيقها فيما لو أرادت تركيا إعادة احياء مجد الإمبراطورية العثمانية. 

قراءة المزيد: أنقرة وسياسات ” فرق تسد” في ليبيا

وتتبع تركيا في هذه اللحظة  التي تتسم  بعودة الصراع الداخلي في ليبيا إلى الإحتدام، “سياسات خلط الأوراق” في ليبيا، ولكن هذه المرة عبر ممارسة “مناورات متداخلة و  مختلفة”؛   فيها “ما هو سياسي”، كإستقبال أردوغان لأول مرة عقيلة صالح حليف خليفة حفتر  و”الزعيم الشرقي ” ( نسبة لشرق ليبيا)  في أنقرة، وفيها ” ما هو عسكري”  كطرد الميليشيات التابعة لفتحي  باشاغا من طرابلس الغرب حينما حاول جعل حكومته تستقر فيها، وفيها “ما هو  اقتصادي وتسليحي واستخباراتي” ، الخ.

وتهدف كل هذه المناورات  التركية المركبة والمستحدثة  الى تحقيق  غير هدف في وقت واحد؛  أبرزها التالي :

–  تعطيل عملية التسوية الداخلية في ليبيا، لأن أنقرة ليس لها مصلحة بتسوية ليبية لا تتم في أنقرة أو تحت جناحي تركيا .

 – وخدمة  لنفس المبدأ الوارد أعلاه،  تعمل أنقرة على تعزيز حالة عدم اليقين السياسي والأمني  لدى  كل القوى الليبية  الداخلية، والهدف من ذلك جعل كل القوى الليبية لديها حاجة  للعلاقة مع الدور التركي الأكثر حضورا  امنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا ، على الأرض في ليبيا .

وفي إطار سعيها لجعل معظم القوى الليبية في حالة تبعية لتركيا؛ فتح أردوغان مؤخرا باب أنقرة امام إستقبال زعماء من شرق ليبيا ، بعد أن كانت علاقات أنقرة الليبية محصورة بغرب ليبيا. 

وهذا الهدف التركي،  هو الذي يفسر لماذا استقبلت أنقرة  مؤخرا  كل من عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق، وعبد الله اللاقي نائب رئيس المجلس الرئاسي.

في الظاهر يوحي أردوغان من خلال استقباله هاتين الشخصيتين، أنه يسعى لعقد تسوية بين مكونين ليبيين قادرين على إنتاج تسوية ليبية داخلية فيما لو توافقا ؛ وهما البرلمان والمجلس الرئاسي؛ ولكن في العمق، فإن  ما يريده أردوغان هو ربط كل مفاصل الحركة الداخلية الليبية بأنقرة، وذلك  من أجل تعطيل الحل،  وليس من أجل إبرام تسوية،  ومن أجل تأجيج الصراعات بينها،  وليس من أجل إرساء تفاهمات بينها.

ويلاحظ انه بعد استقبال انقرة لعقيلة صالح ثار في ليبيا سؤال كبير، وهو عما إذا كان لقاء أردوغان بعقيلة  صالح حليف قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر ، يعني أن أردوغان أدار ظهره لحلفائه في غرب ليبيا، وبدأ رحلة مصالحة وتحالف مع الشرق الليبي؟؟. واكثر من ذلك، تساءل طارحو هذا السؤال عما إذا كان لقائه بعقيلة صالح،  يعني أن أردوغان  أدار ظهره لحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة ، لصالح دعم حكومة باشاغا التي عينها برلمان طبرق المعبّر عن شرق ليبيا و المنقاد من عقيلة صالح وحليفه حفتر؟؟

والواقع أن هذه التساؤلات تحمل تبسيطا لأسباب إنفتاح أردوغان الآن على شرق ليبيا!!؛ وكل القصة هنا تقع في أن أردوغان يقود في هذه المرحلة في  ليبيا سياسات معقدة ومركبة، وتسعى لتحقيق أهداف  إستراتيجية تتجاوز مجرد البحث عن بسط نفوذ وما شابه.

وداخل  الأهداف الإستراتيجية غير المعلنة التي تتحكم  بوجهة نظر  رؤية أنقرة لدورها في ليبيا ، يوجد  هدف مركزي يتوجب على الجانب العربي التنبه له بجدية ؛ وعنوان هذا الهدف هو إضعاف أواصر العلاقة التاريخية بين ليبيا وبعدها العربي الطبيعي؛  وذلك من خلال جعل العلاقة الليبية التركية تبدو بنظر الليبيين، وذلك بالإستناد الى  تقوية الحضور التركي في ليبيا،  أهم من علاقات ليبيا العربية ، سواء مع مصر أو مع دول المغرب العربي و الخليج، الخ.

وعليه فإن أكثر طرف معني بمواجهة هذا المشروع التركي في ليبيا،  هو الجامعة العربية التي يعتبر  الحفاظ على الهوية العربية لليبيا وعلى موقعها الاستراتيجي  داخل بيئتها العربية،  هو من صميم دورها ومهامها.

والواقع أن إستقبالات أنقرة الأخيرة للمسؤولين الليبيين، أرادت توجيه رسائل بالجملة إلى البيئة العربية والى العالم والى الداخل الليبي . ويمكن فكفكة جزئيات هذه الرسائل التركية  من خلال عرض نقاطها الرئيسة، وهي تندرج على النحو التالي:

أراد  أردوغان  من  توالي زيارات  رئيس  مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى تركيا، و نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللاقي ومن ثم رئيس المجلس الرئاسي خالد المشري ،  تحقيق هدف  يتمثل بفتح الباب أمام حصول أوسع حركة  إجتماعات ومشاورات ممكنة بين القادة الليبيين من كل الفئات،  وبين تركيا ، وذلك على الأراضي التركية..  وهدف أنقرة من ذلك تقديم نفسها في صورة أنها مرجعية الشأن الليبي سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي..  كما أراد أردوغان القول أنه بعد الفشل الدولي في حلحلة الأزمة الليبية؛ وبعد فشل مصر ومعها العرب، في جمع الدبيبة وباشاغا في القاهرة، فإن الطرف الوحيد القادر على جمع التناقضات الليبية هو تركيا .

..و إستتباعا؛ وضمن نفس هذه النقطة، فإنه في ظل هذه المرحلة بالذات  التي تتميز  بإنشغال دول القرار العالمي بأزمة أوكرانيا، فإن  أنقرة تطلع  إلى أن تستغل لصالحها  هذا  الفراغ الدولي الكبير الحاصل حاليا في ليبيا،  والذي تتوقع أنقرة  أنه سيتزايد خلال فصل الشتاء ، حيث ان موضوع  تدفئة أوروبا، وليس ليبيا أو غيرها،  سيكون الشغل الشاغل للعالم. 

والأمر الأخر الرئيسي الذي يحرك الإندفاعة السياسية الحالية لإردوغان بإتجاه ليبيا ؛ هو قناعة موجودة لدى  القيادة التركية، مفادها أن  أنقرة نجحت في ظل  الفترة السابقة من  أزمة ليبيا ، بعقد  إتفاقيات تعاون إستراتيجي إقتصادي وعسكري وأمني مع حكومة السراج المعترف بها دوليا. وهذا يعني – حسبما يقول هذا التحليل-   أنه بإمكان أردوغان في ظل  تجدد  الخلافات البينية في ليبيا، إستكمال عملية إحراز المزيد من  إتفاقيات التعاون الإستراتيجي بين أنقرة وليبيا،  وجعل هذه الاتفاقيات أمرا واقعا يجب على أي نظام سياسي مستقبلي جديد في ليبيا التعامل معه. كما أن أردوغان يريد من فتح باب أنقرة لإستقبال كل  ممثلي أطياف الأزمة الليبية، تسليط الضوء على نفسه بوصفه  ” مايسترو” قادر على إدارة حوار ليبي وطني  بين حميع الفيئات الليبية.

وهناك تسريبات مصدرها أوساط سياسية تركية،  تفيد بأن أنقرة ترى أنه مع وجود حاجة دولية للإهتمام بمشاكل أخرى حادة تقع خارج المنطقة ، فإن هناك إمكانية وفرصة كبيرة لإردوغان بأن ينتزع من واشنطن وأوروبا ” تفويض أمر واقع” بإدارة الأزمة الليبية .

وهذا التوجه هو الذي يفسر لماذا تحاول أنقرة في هذه الفترة توسيع تكتيكات علاقاتها داخل ليبيا ، ذلك لأنها  تريد الظهور بصفة  أن لديها رصيد داخل ليبي يمنحها مقومات نيل تفويض دولي لتولي حل أزمة ليبيا .. ومن هنا أطلقت  أنقرة مجموعة  مناوراتها الأخيرة التي  تظهرها بأنها  تدعم الحلول الشرعية و تؤيد بخاصة  المباحثات القائمة بين مجلس النواب الليبي في طبرق والمجلس الأعلى للدولة حول تشكيل القاعدة الدستورية؛ وأتها تدعم توحيد شرق ليبيا وغربها،  وأنها مستعدة لأن تكون جسر حوار بين الطرفين، ولكن ما تريده أنقره بالفعل  في هذه المرحلة ، هو إبقاء الإنقسام قائم بين الحكومتين في ليبيا، لأن ذلك يعزز دورها كقوة إقليمية يحتاجها أطراف  الصراع الليبي. .. وإنطلاقا من هذه الإستراتيجية التي تريد الإنتقال من مرحلة بسط النفوذ التركي على جزء من ليبيا ( غرب ليبيا)  لمرحلة بسط النفوذ التركي  على كل ليبيا ( الشرق أيضا)،  جاءت جملة مناورات أردوغان السياسية الأخيرة ، خاصة منها إستقبال أنقرة لعقيله صالح واللاقي والمشري، الخ..

الجيل الرابع من تنظيم القاعدة يولد  داخل حرب أميركا الاوكرانية: أسلحة الغرب في أيدي  المجموعات الإرهابية

داخل أروقة قريبة من مؤسسات الأمن العربية الرسمية والبحثية، يثار نقاش عميق حول موضوع يتصف بأنه خطر ويحتاج الى معالجة على مستوى الجامعة العربية ووزارات الدفاع والداخلية العربية، نظرا لصلته الخطرة  بالأمن القومي العربي.

فحوى هذا النقاش يتعلق بتزايد القلق من  إتساع حجم إنتشار أنواع مختلفة من  الأسلحة الغربية في أوكرانيا؛ علما أن هذه الأسلحة يرسلها الغرب الى الجيش الأوكراني بغرض تنفيذ خطة واشنطن بشن حرب إستنزاف طويلة الأمد ضد روسيا في اوكرانيا؛ ولكن  المشكلة التي برزت الآن لدى مناصري خطة استنزاف روسيا، تتعلق بأن  هذه الأسلحة الغربية الفعالة  التي باتت موجودة  بكثافة في أوكرانيا، بدأت تشكل مشكلة لأمن منطقتي الشرق الأوسط و أوروبا؛ وذلك نتيجة تعاظم تسرب هذه الأسلحة  بشكل كبير  إلى المجموعات الأرهابية من أصول شرق اوسطية، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعات أما انها تتواجد حاليا داخل اوكرانيا بدعوى انها تقاتل إلى جانب الجيش الاوكراني ضد روسيا أو انها موجودة في دول عدة من العالم.

قراءة المزيد: الجيل الرابع من تنظيم القاعدة يولد  داخل حرب أميركا الاوكرانية: أسلحة الغرب في أيدي  المجموعات الإرهابية

أن هذا الواقع ينتج عنه نوعان من التهديدات :

الأول تهديد مباشر للأمن في منطقتي أوروبا والشرق الأوسط.

والثاني تهديد غير مباشر ومستقبلي يتمثل بان هؤلاء العناصر الارهابية سيمثلون خطرا على أمن  بلادهم حينما يعودون إليها بعد انتهاء مهمتهم الأميركية في أوكرانيا. 

وحتى الآن فإن المعلومات المتوفرة و المتعلقة بهذه القضية، باتت تكفي لإثارة قلق المنطقة  العميق، وباتت تشكل مستندا كافيا لجعل الجامعة العربية بشكل خاص، تتحرك  لوقف هذا الخطر المنطلق من اوكرانيا والمدعوم اميركيا ، على نحو مبكر .

وفيما تعرض ” ليزي” ،  جانبا من المعلومات المتوفرة عن التسرب  الكثيف للأسلحة الغربية الى أوكرانيا حيث تصل إلى أيدي  جماعات إرهابية؛ علما أن المسؤولية الأساسية  عن حصول هذا الأمر تقع على ثلاث فئات :

الفئة الأولى تتمثل بمنظومات الفساد الموجودة داخل الجيش الأوكراني وداخل بيئات جماعة الحكم في كييف التي تقوم ببيع هذه  الأسلحة الغربية إلى جماعات ارهابية بقصد تحقيق ثروات غير شرعية وشخصية. 

الفئة الثانية هي سياسات واشنطن والناتو  التي تكرر في أوكرانيا نفس سياسات واشنطن في أفغانستان التي نتج عنها ولادة الجيل الأول من تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن؛ وانذاك شجعت واشنطن وصول متطرفين إرهابيين إلى أفغانستان لقتال الاتحاد السوفياتي واستنزافه، واليوم تغض المخابرات الأميركية النظر،  بل وتشجع  وصول متطرفين إرهابيين من حول العالم إلى أوكرانيا  لاستنزاف روسيا، وتقوم واشنطن كما فعلت بافغانستان بصرف مليارات الدولارات لتمويل إرسال الأسلحة الغربية بكثافة الى أوكرانيا حيث بات يوجد فيها عش دبابير الإرهابيين الشرق أوسطيين.

الفئة الثالثة هي مافيات تجارة الأسلحة ذات الصلة بمنظمات الجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابية ؛ إضافة إلى مجموعات الإرهاب العالمي التي تبحث بعد تفكيكها في سورية والعراق،  عن بلد آمن لها ، يلعب بالنسبة اليها نفس دور أفغانستان خلال حقبة الحرب الباردة. وواضح  أن أوكرانيا تمثل حاليا بالنسبة للجيل الرابع من تنظيم القاعدة، ملاذا وحيدا كي تعيد تجميع نفسها فيه، وذلك كون واشنطن لديها مصلحة في تجميع كل ارهابيي العالم في أوكرانيا لاعطاء فرصة لشن حرب استنزاف طويلة ضد روسيا .

لقد أدى تدفق السلاح الغربي إلى أوكرانيا إلى خلق منظومة للإتجار  غير الشرعي بالسلاح ، له صلة بالوضع الاوكراني ؛ وتضم هذه المنظومة مجموعات إرهابية و منظمات مسلحة غير رسمية،  بالإضافة الى جماعات جريمة الإتجار بالسلاح بشكل غير قانوني التي تلعب أدوار الوسيط بين مافيات كييف العسكرية والسياسية وبين مجموعات ارهابية داخل اوكرانيا وخارجها مهتمة بشراء هذا السلاح بطرق ملتوية.

ماذا عن الوقائع والمعلومات المتصلة بهذا الملف :

أولا – يتضح من المعلومات الموثوقة أن القسم الأكبر من  المسلحين الذين تتسرب إليهم هذه الأسلحة الغربية المباعة في أوكرانيا،  من قبل مافيات الجيش الاوكراني وجماعة الحكم في كييف،  هم أعضاء وعناصر  تنتمي  لمناطق مختلفة من العالم، وتم تسفيرها لأوكرانيا بطرق مختلفة طوال الأشهر الماضية؛ وهذه العناصر تقاتل في الوقت الحالي في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية بدعم غربي لها غير مباشر . 

ويوجد بين هذه العناصر العديد من المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين يلتزمون بالفكر المتطرف، وهم يعمدون حاليا الى القتال في أوكرانيا ضمن أجندة خاصة بهم، وهي إستغلال فترة السماح الأميركية لوجودهم في أوكرانيا،  من اجل إكتساب الخبرة القتالية بفعل انهم  منخرطون  بالعمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الأوكراني في هذه الآونة . وبذهن هؤلاء  الإرهابيين أنهم سيكون بإمكانهم الإفادة من هذه الخبرة القتالية بعد عودتهم الى بلادهم حيث هناك توجد  أهدافهم الحقيقة.

ثانيا – تجري حاليا بين ظهراني الجيش الأوكراني عمليات تعزيز العلاقات بين هؤلاء الإرهابيين المهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا  إلى أوكرانيا،  وبين   أشخاص لديهم نفس تفكيرهم المتطرف يتواجدون  في دول مختلفة من العالم ومنها الدول الاوروبية ؛ و تتم  دعوة هؤلاء الأخيرين  للمجيئ بطرق غير شرعية الى اوكرانيا والإقامة فيها؛ لإنشاء أوسع جبهة علاقات إرهابية، خاصة وأن هذا الأمر يمكن إنجازه اليوم في أوكرانيا نظرا لأن واشنطن تغطي عملية وجود العناصر الارهابية في هذا البلد لدعم الجيش الاوكراني في حربه ضد روسيا.

 ويمكن وصف هذا المشهد الراهن الذي يسود أوكرانيا، بأنه يشبه إلى حد بعيد مشهد أفغانستان حينما شجعت واشنطن تحويلها إلى مستودع تم فيه  تجميع أكبر كم من العناصر التكفيرية المتشددة التي تم تسهيل سفرها إلى هناك من مختلف أنحاء العالم .

أن خطورة هذا التصرف الأميركي،  تكمن في أن واشنطن تكرر من خلاله،  نفس خطيئة ما حصل في أفغانستان جراء أنها شجعت ولادة حالة إرهابية تكفيرية لتستنزف بها الاتحاد السوفياتي حينها، ولكن هذه الحالة قامت بتوجيه إرهابها لاحقا لكل دول المنطقة والعالم،  وحتى الى داخل الولايات المتحدة الأميركية ذاتها ( عملية ١١ سبتمبر)  .  ومن البديهي في هذه اللحظة توقع أن  هؤلاء الإرهابيين سيعودون مع حلول  اللحظة المناسبة لهم ، إلى بلادهم لينفذوا هناك عمليات ارهابية بهدف السيطرة على الحكم وهز استقرار العالم.

والخلاصة الاساسية في هذا المجال تؤشر الى  أن خطط التسليح الغربي الكثيفة والمتفلتة لأوكرانيا، إنما تؤسس إلى مرحلة لاحقة تمنح مشروع الإرهاب التكفيري طفرة تأسيسية جديدة.

والواقع ان حلف الناتو من خلال أفعاله هذه ( إرسال أسلحة غربية لاوكرانيا من  دون التدقيق بموضوع تسربها لارهابيين ، وغض الطرف عن  وصول المرتزقة المتطرفين للقتال في اوكرانيا ضد الجيش الروسي)  إنما  يدعم الإرهاب؛ ويؤسس لان تتحول أوكرانيا إلى أفغانستان ثانية ينطلق منها الجيل الرابع من تنظيم القاعدة.  

ثالثا –  أن هذا الواقع الخطر ،  دفع وكالة تطبيق القانون الأوروبية (  اليوروبول) إلى إصدار بيان لفت فيه  إلى ضرورة العمل من أجل تتبع مسار تهريب الأسلحة  من أوكرانيا إلى داخل دول الإتحاد الاوروبي، ودعا إلى ضرورة العمل لتخفيف  خطر تهريب الأسلحة من أوكرانيا  إلى داخل دول  الإتحاد الأوروبي.

ورغم أن وكالة ” اليوروبول ” حاولت لأسباب سياسية تتعلق بإنحيازها لواشنطن،التخفيف من حدة كلامها عن هذه الظاهرة،الا أن مجرد إصدار بيان من قبلها بهذا الشأن، يعتبر دليلا حاسما على أنه لم يعد يمكن لاوروبا تجاهل خطورة هذه المشكلة على الأمن الداخلي الأوروبي.

 ولعل اخطر فقرة في بيان  وكالة اليوروبول هو تحذيرها من  أن كل الملاحظات المجمعة من تجارب الحروب  الماضية في مناطق مختلفة من العالم،  تظهر وجود إحتمال أن تصل الأسلحة الى الجهات الخطأ ( يقصد البيان الايادي الارهابية) ؛ وحذر  اليوروبول  من”  أن انتشار الأسلحة النارية والمتفجرات في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى زيادة منسوب تهريب الأسلحة  والذخائر  إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق التهريب أو عبر منصات الإنترنت. و قد يصبح  هذا التهديد  أعلى، عندما ينتهي  الصراع في اوكرانيا” .

واضح أن بيان وكالة اليوروبول يحذر بشكل غير مباشر  من أن  المشهد الافغاني الذي انتج تنظيم  القاعدة؛ قد يتكرر  في اوكرانيا فيما لو لم يتحرك الغرب  لضبط عمليات التسليح الكثيف والمتفلت لاوكرانيا. 

ومن المعلومات التي إثارت القلق ايضا في هذا المجال ، هو ما أعلنته  مفوضة الشؤون الداخلية بالإتحاد الأوروبي إيلفا يوهانسون عن إنشاء مركز في مولدوفا لمحاربة الجريمة المنظمة؛ وبخاصة لمكافحة ظاهرة تهريب الأسلحة من أوكرانيا.

ومجرد تركيز مركز دعم الاتحاد الأوروبي للأمن الداخلي وإدارة الحدود،  على قضية منع تهريب الأسلحة من أوكرانيا، فهذا يعني أن هذا الملف أصبح يشكل  تحديا ماثلا للأمن القومي الأوروبي.

وكان لافتا الوصف الذي أستعمله المركزعينه لعمليات تهريب الأسلحة من أوكرانيا، حيث قال أن مثل هذا التهريب “سيغذي العنف في الشبكات الإجرامية في الاتحاد الأوروبي”.واعترف انه بات  من الصعب حاليا تجنب تهريب الأسلحة، وكل ما يمكن  فعله من قبل  أوروبا الآن، هو محاولة تعقب شبكات التهريب”؛ و لكن مسؤولا في  المركز قال لصحيفة فرنسية، أن ” كل من يدعي أنه سينجح في مهمة التعقب ووقف تهريب الأسلحة من أوكرانيا إلى أوروبا،  إنما هو يكذب” ؛ وذكر المسؤول عينه  كيف فشلت أوروبا في تحقيق ذات هدف منع تسرب الأسلحة الى أوروبا بعد الحرب في يوغوسلافيا “

رابعا – تبين المعلومات ان مولدوفا تمثل المكان الذي، تنشط فيه بشكل مركزي عمليات تهريب السلاح من اوكرانيا الى الخارج . وفي تعليق له على هذا الملف لفت وزير الهجرة السويدي أندرس يغمان إلى أمرين أثنين : الأول  إن معظم الأسلحة الغربية  الموردة الى اوكرانيا، تصل إلى أيدي  الجيش الأوكراني. وما يريد يغمان الاشارة اليه ولو تلميحا هو ان الجيش الأوكراني يُعد المصدر الأساسي لعمليات تهريب السلاح.

الأمر الثاني هو تكراره لتحذير رئيس الإنتربول يورغن ستوك بخصوص  أنه “بمجرد أن تصمت المدافع في اوكرانيا ،فأنه ستظهر  الأسلحة غير القانونية المهربة من اوكرانيا،  في أوروبا ومناطق عدة من العالم “.

ويقول  ستوك  انه “يجب على أوروبا والعالم أن يشعروا  بالقلق، وعلينا جميعا أن نتوقع تهريب هذه الاسلحة الى الدول المجاورة والقارات الاخرى”.

خامسا : معظم التقارير التي تتحدث عن إحتمال وصول السلاح الغربي الموجود حاليا في أوكرانيا إلى الايادي الخاطئة (أي إلى الإرهابيين حول العالم )، تركز على أمر تعتبره هاما وهو أن أوكرانيا لديها تاريخ طويل من تجارة الأسلحة غير المشروعة ، وأبرزها حالة السفينة MV Faina ، وهي سفينة شحن أوكرانية تم القبض عليها لتهريب الدبابات والمدفعية وبنادق هجومية من طراز AKM إلى السودان في عام 2009 – والتي ظهرت عندما تم القبض على السفينة  من قبل قراصنة صوماليين.

أن كل هذه التحذيرات من أخطار تهريب السلاح من أوكرانيا،  يأتي في لحظة يعمد فيها الرئيس الأوكراني زيلينسكي الى توجيه ما يسميه بنداءات جديدة عاجلة لتعزيز إمدادات الأسلحة والذخيرة الغربية إلى أوكرانيا  للمساعدة في مواجهة صد الهجوم الروسي في شرق البلاد وجنوبها.

بات واضحا للكثير من مراكز مكافحة تهريب السلاح حول العالم،  وهيئات مكافحة وصول السلاح إلى أيادي الإرهابيين،  أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي عبر حثه الغرب لإرسال المزيد من شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا بحجة استخدامها في  وقف التقدم الروسي،  إنما يريد خدمة أنشطة منظومات شبكات تهريب الأسلحة غير الشرعية التي لديها تداخل مصالح مع حكام كييف وقيادات نافذة في  الجيش الأوكراني التي تشرف بحسب العديد من المعلومات المفتوحة، على أنواع عدة من عمليات تهريب الأسلحة وبيعها.

وكانت هيئة الشرطة الأوروبية يوروبول، كشفت بالمعلومات عن أنواع تجري على مستوى عمليات تهريب السلاح من اوكرانيا، وايضا على مستوى بيع السلاح أو الترويج لبيع السلاح  بشكل غير قانوني .  وقوامها التالي:

–  حالات تهريب أسلحة نارية وسلع عسكرية عبر السوق السوداء.

–  وجود حالات بيع أسلحة ثقيلة، وكل هذه المؤشرات تدفع للخشية في “خطر الوقوع في أحضان إرهابيي الجريمة المنظمة ”، سيما وأنه تمت مشاهدة أفراد يغادرون أوكرانيا بأسلحة نارية.

–  هناك مخاوف من إحتمال تخزين الأسلحة والذخيرة على طول الحدود الأوكرانية لتهريبها لاحقًا إلى دول الاتحاد الأوروبي.

– بروز إعلانات على الشبكة المظلمة حول بيع نظام الرمح المضاد للدبابات.

– ما نقلته هيئة الإذاعة والتلفزيون SWR نقلاً عن وثيقة سرية من europol من  أن الجماعات الإجرامية تنشط في المنطقة وتنفذ أو تخطط لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة النارية والذخيرة ، بما في ذلك الذخيرة الحية.

أنقرة وسياسات ” فرق تسد” في ليبيا

تؤدي أنقرة داخل الأزمة الليبية دورا معطلا للحلول ، و بات واضحا أنه  يهدف الى زعزعة الإستقرار في هذا البلد الذي يعتبره الرئيس التركي رجب طيب  أردغان أنه جزء من الأرث التاريخي لنفوذ  تركيا العثمانية .

والواقع أن أردوغان ينظر إلى ليبيا من ثقب باب قصور السلاطين العثمانيين، ويعتقد بعمق  أن هذا المجد العثماني القديم،  يتوجب إعادة إحيائه، وذلك عبر أساليب، وأن كانت  تحاول أن تبدو حديثة؛  إلا أنها تخدم ذات الأهداف العثمانية البالية القديمة.

ومن منظور الأردوغانية العثمانية، فان السيطرة من قبل تركيا على ليبيا،  يعد واحدا من  الأهداف الهامة التي  لا بد من تحقيقها فيما لو أرادت تركيا إعادة احياء مجد الإمبراطورية العثمانية. 

وتتبع تركيا في هذه اللحظة  التي تتسم  بعودة الصراع الداخلي في ليبيا إلى الإحتدام، “سياسات خلط الأوراق” في ليبيا، ولكن هذه المرة عبر ممارسة “مناورات متداخلة و  مختلفة”؛   فيها “ما هو سياسي”، كإستقبال أردوغان لأول مرة عقيلة صالح حليف خليفة حفتر  و”الزعيم الشرقي ” ( نسبة لشرق ليبيا)  في أنقرة، وفيها ” ما هو عسكري”  كطرد الميليشيات التابعة لفتحي  باشاغا من طرابلس الغرب حينما حاول جعل حكومته تستقر فيها، وفيها “ما هو  اقتصادي وتسليحي واستخباراتي” ، الخ.

قراءة المزيد: أنقرة وسياسات ” فرق تسد” في ليبيا

وتهدف كل هذه المناورات  التركية المركبة والمستحدثة  الى تحقيق  غير هدف في وقت واحد؛  أبرزها التالي :

–  تعطيل عملية التسوية الداخلية في ليبيا، لأن أنقرة ليس لها مصلحة بتسوية ليبية لا تتم في أنقرة أو تحت جناحي تركيا .

 – وخدمة  لنفس المبدأ الوارد أعلاه،  تعمل أنقرة على تعزيز حالة عدم اليقين السياسي والأمني  لدى  كل القوى الليبية  الداخلية، والهدف من ذلك جعل كل القوى الليبية لديها حاجة  للعلاقة مع الدور التركي الأكثر حضورا  امنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا ، على الأرض في ليبيا .

وفي إطار سعيها لجعل معظم القوى الليبية في حالة تبعية لتركيا؛ فتح أردوغان مؤخرا باب أنقرة امام إستقبال زعماء من شرق ليبيا ، بعد أن كانت علاقات أنقرة الليبية محصورة بغرب ليبيا. 

وهذا الهدف التركي،  هو الذي يفسر لماذا استقبلت أنقرة  مؤخرا  كل من عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق، وعبد الله اللاقي نائب رئيس المجلس الرئاسي.

في الظاهر يوحي أردوغان من خلال استقباله هاتين الشخصيتين، أنه يسعى لعقد تسوية بين مكونين ليبيين قادرين على إنتاج تسوية ليبية داخلية فيما لو توافقا ؛ وهما البرلمان والمجلس الرئاسي؛ ولكن في العمق، فإن  ما يريده أردوغان هو ربط كل مفاصل الحركة الداخلية الليبية بأنقرة، وذلك  من أجل تعطيل الحل،  وليس من أجل إبرام تسوية،  ومن أجل تأجيج الصراعات بينها،  وليس من أجل إرساء تفاهمات بينها.

ويلاحظ انه بعد استقبال انقرة لعقيلة صالح ثار في ليبيا سؤال كبير، وهو عما إذا كان لقاء أردوغان بعقيلة  صالح حليف قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر ، يعني أن أردوغان أدار ظهره لحلفائه في غرب ليبيا، وبدأ رحلة مصالحة وتحالف مع الشرق الليبي؟؟. واكثر من ذلك، تساءل طارحو هذا السؤال عما إذا كان لقائه بعقيلة صالح،  يعني أن أردوغان  أدار ظهره لحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة ، لصالح دعم حكومة باشاغا التي عينها برلمان طبرق المعبّر عن شرق ليبيا و المنقاد من عقيلة صالح وحليفه حفتر؟؟

والواقع أن هذه التساؤلات تحمل تبسيطا لأسباب إنفتاح أردوغان الآن على شرق ليبيا!!؛ وكل القصة هنا تقع في أن أردوغان يقود في هذه المرحلة في  ليبيا سياسات معقدة ومركبة، وتسعى لتحقيق أهداف  إستراتيجية تتجاوز مجرد البحث عن بسط نفوذ وما شابه.

وداخل  الأهداف الإستراتيجية غير المعلنة التي تتحكم  بوجهة نظر  رؤية أنقرة لدورها في ليبيا ، يوجد  هدف مركزي يتوجب على الجانب العربي التنبه له بجدية ؛ وعنوان هذا الهدف هو إضعاف أواصر العلاقة التاريخية بين ليبيا وبعدها العربي الطبيعي؛  وذلك من خلال جعل العلاقة الليبية التركية تبدو بنظر الليبيين، وذلك بالإستناد الى  تقوية الحضور التركي في ليبيا،  أهم من علاقات ليبيا العربية ، سواء مع مصر أو مع دول المغرب العربي و الخليج، الخ.

وعليه فإن أكثر طرف معني بمواجهة هذا المشروع التركي في ليبيا،  هو الجامعة العربية التي يعتبر  الحفاظ على الهوية العربية لليبيا وعلى موقعها الاستراتيجي  داخل بيئتها العربية،  هو من صميم دورها ومهامها.

والواقع أن إستقبالات أنقرة الأخيرة للمسؤولين الليبيين، أرادت توجيه رسائل بالجملة إلى البيئة العربية والى العالم والى الداخل الليبي . ويمكن فكفكة جزئيات هذه الرسائل التركية  من خلال عرض نقاطها الرئيسة، وهي تندرج على النحو التالي:

أراد  أردوغان  من  توالي زيارات  رئيس  مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى تركيا، و نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللاقي ومن ثم رئيس المجلس الرئاسي خالد المشري ،  تحقيق هدف  يتمثل بفتح الباب أمام حصول أوسع حركة  إجتماعات ومشاورات ممكنة بين القادة الليبيين من كل الفئات،  وبين تركيا ، وذلك على الأراضي التركية..  وهدف أنقرة من ذلك تقديم نفسها في صورة أنها مرجعية الشأن الليبي سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي..  كما أراد أردوغان القول أنه بعد الفشل الدولي في حلحلة الأزمة الليبية؛ وبعد فشل مصر ومعها العرب، في جمع الدبيبة وباشاغا في القاهرة، فإن الطرف الوحيد القادر على جمع التناقضات الليبية هو تركيا .

..و إستتباعا؛ وضمن نفس هذه النقطة، فإنه في ظل هذه المرحلة بالذات  التي تتميز  بإنشغال دول القرار العالمي بأزمة أوكرانيا، فإن  أنقرة تطلع  إلى أن تستغل لصالحها  هذا  الفراغ الدولي الكبير الحاصل حاليا في ليبيا،  والذي تتوقع أنقرة  أنه سيتزايد خلال فصل الشتاء ، حيث ان موضوع  تدفئة أوروبا، وليس ليبيا أو غيرها،  سيكون الشغل الشاغل للعالم. 

والأمر الأخر الرئيسي الذي يحرك الإندفاعة السياسية الحالية لإردوغان بإتجاه ليبيا ؛ هو قناعة موجودة لدى  القيادة التركية، مفادها أن  أنقرة نجحت في ظل  الفترة السابقة من  أزمة ليبيا ، بعقد  إتفاقيات تعاون إستراتيجي إقتصادي وعسكري وأمني مع حكومة السراج المعترف بها دوليا. وهذا يعني – حسبما يقول هذا التحليل-   أنه بإمكان أردوغان في ظل  تجدد  الخلافات البينية في ليبيا، إستكمال عملية إحراز المزيد من  إتفاقيات التعاون الإستراتيجي بين أنقرة وليبيا،  وجعل هذه الاتفاقيات أمرا واقعا يجب على أي نظام سياسي مستقبلي جديد في ليبيا التعامل معه. كما أن أردوغان يريد من فتح باب أنقرة لإستقبال كل  ممثلي أطياف الأزمة الليبية، تسليط الضوء على نفسه بوصفه  ” مايسترو” قادر على إدارة حوار ليبي وطني  بين حميع الفيئات الليبية.

وهناك تسريبات مصدرها أوساط سياسية تركية،  تفيد بأن أنقرة ترى أنه مع وجود حاجة دولية للإهتمام بمشاكل أخرى حادة تقع خارج المنطقة ، فإن هناك إمكانية وفرصة كبيرة لإردوغان بأن ينتزع من واشنطن وأوروبا ” تفويض أمر واقع” بإدارة الأزمة الليبية .

وهذا التوجه هو الذي يفسر لماذا تحاول أنقرة في هذه الفترة توسيع تكتيكات علاقاتها داخل ليبيا ، ذلك لأنها  تريد الظهور بصفة  أن لديها رصيد داخل ليبي يمنحها مقومات نيل تفويض دولي لتولي حل أزمة ليبيا .. ومن هنا أطلقت  أنقرة مجموعة  مناوراتها الأخيرة التي  تظهرها بأنها  تدعم الحلول الشرعية و تؤيد بخاصة  المباحثات القائمة بين مجلس النواب الليبي في طبرق والمجلس الأعلى للدولة حول تشكيل القاعدة الدستورية؛ وأتها تدعم توحيد شرق ليبيا وغربها،  وأنها مستعدة لأن تكون جسر حوار بين الطرفين، ولكن ما تريده أنقره بالفعل  في هذه المرحلة ، هو إبقاء الإنقسام قائم بين الحكومتين في ليبيا، لأن ذلك يعزز دورها كقوة إقليمية يحتاجها أطراف  الصراع الليبي.

.. وإنطلاقا من هذه الإستراتيجية التي تريد الإنتقال من مرحلة بسط النفوذ التركي على جزء من ليبيا ( غرب ليبيا)  لمرحلة بسط النفوذ التركي  على كل ليبيا ( الشرق أيضا)،  جاءت جملة مناورات أردوغان السياسية الأخيرة ، خاصة منها إستقبال أنقرة لعقيله صالح واللاقي والمشري، الخ..