أنقرة وسياسات ” فرق تسد” في ليبيا

تؤدي أنقرة داخل الأزمة الليبية دورا معطلا للحلول ، و بات واضحا أنه  يهدف الى زعزعة الإستقرار في هذا البلد الذي يعتبره الرئيس التركي رجب طيب  أردغان أنه جزء من الأرث التاريخي لنفوذ  تركيا العثمانية .

والواقع أن أردوغان ينظر إلى ليبيا من ثقب باب قصور السلاطين العثمانيين، ويعتقد بعمق  أن هذا المجد العثماني القديم،  يتوجب إعادة إحيائه، وذلك عبر أساليب، وأن كانت  تحاول أن تبدو حديثة؛  إلا أنها تخدم ذات الأهداف العثمانية البالية القديمة.

ومن منظور الأردوغانية العثمانية، فان السيطرة من قبل تركيا على ليبيا،  يعد واحدا من  الأهداف الهامة التي  لا بد من تحقيقها فيما لو أرادت تركيا إعادة احياء مجد الإمبراطورية العثمانية. 

قراءة المزيد: أنقرة وسياسات ” فرق تسد” في ليبيا

وتتبع تركيا في هذه اللحظة  التي تتسم  بعودة الصراع الداخلي في ليبيا إلى الإحتدام، “سياسات خلط الأوراق” في ليبيا، ولكن هذه المرة عبر ممارسة “مناورات متداخلة و  مختلفة”؛   فيها “ما هو سياسي”، كإستقبال أردوغان لأول مرة عقيلة صالح حليف خليفة حفتر  و”الزعيم الشرقي ” ( نسبة لشرق ليبيا)  في أنقرة، وفيها ” ما هو عسكري”  كطرد الميليشيات التابعة لفتحي  باشاغا من طرابلس الغرب حينما حاول جعل حكومته تستقر فيها، وفيها “ما هو  اقتصادي وتسليحي واستخباراتي” ، الخ.

وتهدف كل هذه المناورات  التركية المركبة والمستحدثة  الى تحقيق  غير هدف في وقت واحد؛  أبرزها التالي :

–  تعطيل عملية التسوية الداخلية في ليبيا، لأن أنقرة ليس لها مصلحة بتسوية ليبية لا تتم في أنقرة أو تحت جناحي تركيا .

 – وخدمة  لنفس المبدأ الوارد أعلاه،  تعمل أنقرة على تعزيز حالة عدم اليقين السياسي والأمني  لدى  كل القوى الليبية  الداخلية، والهدف من ذلك جعل كل القوى الليبية لديها حاجة  للعلاقة مع الدور التركي الأكثر حضورا  امنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا ، على الأرض في ليبيا .

وفي إطار سعيها لجعل معظم القوى الليبية في حالة تبعية لتركيا؛ فتح أردوغان مؤخرا باب أنقرة امام إستقبال زعماء من شرق ليبيا ، بعد أن كانت علاقات أنقرة الليبية محصورة بغرب ليبيا. 

وهذا الهدف التركي،  هو الذي يفسر لماذا استقبلت أنقرة  مؤخرا  كل من عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق، وعبد الله اللاقي نائب رئيس المجلس الرئاسي.

في الظاهر يوحي أردوغان من خلال استقباله هاتين الشخصيتين، أنه يسعى لعقد تسوية بين مكونين ليبيين قادرين على إنتاج تسوية ليبية داخلية فيما لو توافقا ؛ وهما البرلمان والمجلس الرئاسي؛ ولكن في العمق، فإن  ما يريده أردوغان هو ربط كل مفاصل الحركة الداخلية الليبية بأنقرة، وذلك  من أجل تعطيل الحل،  وليس من أجل إبرام تسوية،  ومن أجل تأجيج الصراعات بينها،  وليس من أجل إرساء تفاهمات بينها.

ويلاحظ انه بعد استقبال انقرة لعقيلة صالح ثار في ليبيا سؤال كبير، وهو عما إذا كان لقاء أردوغان بعقيلة  صالح حليف قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر ، يعني أن أردوغان أدار ظهره لحلفائه في غرب ليبيا، وبدأ رحلة مصالحة وتحالف مع الشرق الليبي؟؟. واكثر من ذلك، تساءل طارحو هذا السؤال عما إذا كان لقائه بعقيلة صالح،  يعني أن أردوغان  أدار ظهره لحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة ، لصالح دعم حكومة باشاغا التي عينها برلمان طبرق المعبّر عن شرق ليبيا و المنقاد من عقيلة صالح وحليفه حفتر؟؟

والواقع أن هذه التساؤلات تحمل تبسيطا لأسباب إنفتاح أردوغان الآن على شرق ليبيا!!؛ وكل القصة هنا تقع في أن أردوغان يقود في هذه المرحلة في  ليبيا سياسات معقدة ومركبة، وتسعى لتحقيق أهداف  إستراتيجية تتجاوز مجرد البحث عن بسط نفوذ وما شابه.

وداخل  الأهداف الإستراتيجية غير المعلنة التي تتحكم  بوجهة نظر  رؤية أنقرة لدورها في ليبيا ، يوجد  هدف مركزي يتوجب على الجانب العربي التنبه له بجدية ؛ وعنوان هذا الهدف هو إضعاف أواصر العلاقة التاريخية بين ليبيا وبعدها العربي الطبيعي؛  وذلك من خلال جعل العلاقة الليبية التركية تبدو بنظر الليبيين، وذلك بالإستناد الى  تقوية الحضور التركي في ليبيا،  أهم من علاقات ليبيا العربية ، سواء مع مصر أو مع دول المغرب العربي و الخليج، الخ.

وعليه فإن أكثر طرف معني بمواجهة هذا المشروع التركي في ليبيا،  هو الجامعة العربية التي يعتبر  الحفاظ على الهوية العربية لليبيا وعلى موقعها الاستراتيجي  داخل بيئتها العربية،  هو من صميم دورها ومهامها.

والواقع أن إستقبالات أنقرة الأخيرة للمسؤولين الليبيين، أرادت توجيه رسائل بالجملة إلى البيئة العربية والى العالم والى الداخل الليبي . ويمكن فكفكة جزئيات هذه الرسائل التركية  من خلال عرض نقاطها الرئيسة، وهي تندرج على النحو التالي:

أراد  أردوغان  من  توالي زيارات  رئيس  مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى تركيا، و نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللاقي ومن ثم رئيس المجلس الرئاسي خالد المشري ،  تحقيق هدف  يتمثل بفتح الباب أمام حصول أوسع حركة  إجتماعات ومشاورات ممكنة بين القادة الليبيين من كل الفئات،  وبين تركيا ، وذلك على الأراضي التركية..  وهدف أنقرة من ذلك تقديم نفسها في صورة أنها مرجعية الشأن الليبي سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي..  كما أراد أردوغان القول أنه بعد الفشل الدولي في حلحلة الأزمة الليبية؛ وبعد فشل مصر ومعها العرب، في جمع الدبيبة وباشاغا في القاهرة، فإن الطرف الوحيد القادر على جمع التناقضات الليبية هو تركيا .

..و إستتباعا؛ وضمن نفس هذه النقطة، فإنه في ظل هذه المرحلة بالذات  التي تتميز  بإنشغال دول القرار العالمي بأزمة أوكرانيا، فإن  أنقرة تطلع  إلى أن تستغل لصالحها  هذا  الفراغ الدولي الكبير الحاصل حاليا في ليبيا،  والذي تتوقع أنقرة  أنه سيتزايد خلال فصل الشتاء ، حيث ان موضوع  تدفئة أوروبا، وليس ليبيا أو غيرها،  سيكون الشغل الشاغل للعالم. 

والأمر الأخر الرئيسي الذي يحرك الإندفاعة السياسية الحالية لإردوغان بإتجاه ليبيا ؛ هو قناعة موجودة لدى  القيادة التركية، مفادها أن  أنقرة نجحت في ظل  الفترة السابقة من  أزمة ليبيا ، بعقد  إتفاقيات تعاون إستراتيجي إقتصادي وعسكري وأمني مع حكومة السراج المعترف بها دوليا. وهذا يعني – حسبما يقول هذا التحليل-   أنه بإمكان أردوغان في ظل  تجدد  الخلافات البينية في ليبيا، إستكمال عملية إحراز المزيد من  إتفاقيات التعاون الإستراتيجي بين أنقرة وليبيا،  وجعل هذه الاتفاقيات أمرا واقعا يجب على أي نظام سياسي مستقبلي جديد في ليبيا التعامل معه. كما أن أردوغان يريد من فتح باب أنقرة لإستقبال كل  ممثلي أطياف الأزمة الليبية، تسليط الضوء على نفسه بوصفه  ” مايسترو” قادر على إدارة حوار ليبي وطني  بين حميع الفيئات الليبية.

وهناك تسريبات مصدرها أوساط سياسية تركية،  تفيد بأن أنقرة ترى أنه مع وجود حاجة دولية للإهتمام بمشاكل أخرى حادة تقع خارج المنطقة ، فإن هناك إمكانية وفرصة كبيرة لإردوغان بأن ينتزع من واشنطن وأوروبا ” تفويض أمر واقع” بإدارة الأزمة الليبية .

وهذا التوجه هو الذي يفسر لماذا تحاول أنقرة في هذه الفترة توسيع تكتيكات علاقاتها داخل ليبيا ، ذلك لأنها  تريد الظهور بصفة  أن لديها رصيد داخل ليبي يمنحها مقومات نيل تفويض دولي لتولي حل أزمة ليبيا .. ومن هنا أطلقت  أنقرة مجموعة  مناوراتها الأخيرة التي  تظهرها بأنها  تدعم الحلول الشرعية و تؤيد بخاصة  المباحثات القائمة بين مجلس النواب الليبي في طبرق والمجلس الأعلى للدولة حول تشكيل القاعدة الدستورية؛ وأتها تدعم توحيد شرق ليبيا وغربها،  وأنها مستعدة لأن تكون جسر حوار بين الطرفين، ولكن ما تريده أنقره بالفعل  في هذه المرحلة ، هو إبقاء الإنقسام قائم بين الحكومتين في ليبيا، لأن ذلك يعزز دورها كقوة إقليمية يحتاجها أطراف  الصراع الليبي. .. وإنطلاقا من هذه الإستراتيجية التي تريد الإنتقال من مرحلة بسط النفوذ التركي على جزء من ليبيا ( غرب ليبيا)  لمرحلة بسط النفوذ التركي  على كل ليبيا ( الشرق أيضا)،  جاءت جملة مناورات أردوغان السياسية الأخيرة ، خاصة منها إستقبال أنقرة لعقيله صالح واللاقي والمشري، الخ..

الجيل الرابع من تنظيم القاعدة يولد  داخل حرب أميركا الاوكرانية: أسلحة الغرب في أيدي  المجموعات الإرهابية

داخل أروقة قريبة من مؤسسات الأمن العربية الرسمية والبحثية، يثار نقاش عميق حول موضوع يتصف بأنه خطر ويحتاج الى معالجة على مستوى الجامعة العربية ووزارات الدفاع والداخلية العربية، نظرا لصلته الخطرة  بالأمن القومي العربي.

فحوى هذا النقاش يتعلق بتزايد القلق من  إتساع حجم إنتشار أنواع مختلفة من  الأسلحة الغربية في أوكرانيا؛ علما أن هذه الأسلحة يرسلها الغرب الى الجيش الأوكراني بغرض تنفيذ خطة واشنطن بشن حرب إستنزاف طويلة الأمد ضد روسيا في اوكرانيا؛ ولكن  المشكلة التي برزت الآن لدى مناصري خطة استنزاف روسيا، تتعلق بأن  هذه الأسلحة الغربية الفعالة  التي باتت موجودة  بكثافة في أوكرانيا، بدأت تشكل مشكلة لأمن منطقتي الشرق الأوسط و أوروبا؛ وذلك نتيجة تعاظم تسرب هذه الأسلحة  بشكل كبير  إلى المجموعات الأرهابية من أصول شرق اوسطية، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعات أما انها تتواجد حاليا داخل اوكرانيا بدعوى انها تقاتل إلى جانب الجيش الاوكراني ضد روسيا أو انها موجودة في دول عدة من العالم.

قراءة المزيد: الجيل الرابع من تنظيم القاعدة يولد  داخل حرب أميركا الاوكرانية: أسلحة الغرب في أيدي  المجموعات الإرهابية

أن هذا الواقع ينتج عنه نوعان من التهديدات :

الأول تهديد مباشر للأمن في منطقتي أوروبا والشرق الأوسط.

والثاني تهديد غير مباشر ومستقبلي يتمثل بان هؤلاء العناصر الارهابية سيمثلون خطرا على أمن  بلادهم حينما يعودون إليها بعد انتهاء مهمتهم الأميركية في أوكرانيا. 

وحتى الآن فإن المعلومات المتوفرة و المتعلقة بهذه القضية، باتت تكفي لإثارة قلق المنطقة  العميق، وباتت تشكل مستندا كافيا لجعل الجامعة العربية بشكل خاص، تتحرك  لوقف هذا الخطر المنطلق من اوكرانيا والمدعوم اميركيا ، على نحو مبكر .

وفيما تعرض ” ليزي” ،  جانبا من المعلومات المتوفرة عن التسرب  الكثيف للأسلحة الغربية الى أوكرانيا حيث تصل إلى أيدي  جماعات إرهابية؛ علما أن المسؤولية الأساسية  عن حصول هذا الأمر تقع على ثلاث فئات :

الفئة الأولى تتمثل بمنظومات الفساد الموجودة داخل الجيش الأوكراني وداخل بيئات جماعة الحكم في كييف التي تقوم ببيع هذه  الأسلحة الغربية إلى جماعات ارهابية بقصد تحقيق ثروات غير شرعية وشخصية. 

الفئة الثانية هي سياسات واشنطن والناتو  التي تكرر في أوكرانيا نفس سياسات واشنطن في أفغانستان التي نتج عنها ولادة الجيل الأول من تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن؛ وانذاك شجعت واشنطن وصول متطرفين إرهابيين إلى أفغانستان لقتال الاتحاد السوفياتي واستنزافه، واليوم تغض المخابرات الأميركية النظر،  بل وتشجع  وصول متطرفين إرهابيين من حول العالم إلى أوكرانيا  لاستنزاف روسيا، وتقوم واشنطن كما فعلت بافغانستان بصرف مليارات الدولارات لتمويل إرسال الأسلحة الغربية بكثافة الى أوكرانيا حيث بات يوجد فيها عش دبابير الإرهابيين الشرق أوسطيين.

الفئة الثالثة هي مافيات تجارة الأسلحة ذات الصلة بمنظمات الجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابية ؛ إضافة إلى مجموعات الإرهاب العالمي التي تبحث بعد تفكيكها في سورية والعراق،  عن بلد آمن لها ، يلعب بالنسبة اليها نفس دور أفغانستان خلال حقبة الحرب الباردة. وواضح  أن أوكرانيا تمثل حاليا بالنسبة للجيل الرابع من تنظيم القاعدة، ملاذا وحيدا كي تعيد تجميع نفسها فيه، وذلك كون واشنطن لديها مصلحة في تجميع كل ارهابيي العالم في أوكرانيا لاعطاء فرصة لشن حرب استنزاف طويلة ضد روسيا .

لقد أدى تدفق السلاح الغربي إلى أوكرانيا إلى خلق منظومة للإتجار  غير الشرعي بالسلاح ، له صلة بالوضع الاوكراني ؛ وتضم هذه المنظومة مجموعات إرهابية و منظمات مسلحة غير رسمية،  بالإضافة الى جماعات جريمة الإتجار بالسلاح بشكل غير قانوني التي تلعب أدوار الوسيط بين مافيات كييف العسكرية والسياسية وبين مجموعات ارهابية داخل اوكرانيا وخارجها مهتمة بشراء هذا السلاح بطرق ملتوية.

ماذا عن الوقائع والمعلومات المتصلة بهذا الملف :

أولا – يتضح من المعلومات الموثوقة أن القسم الأكبر من  المسلحين الذين تتسرب إليهم هذه الأسلحة الغربية المباعة في أوكرانيا،  من قبل مافيات الجيش الاوكراني وجماعة الحكم في كييف،  هم أعضاء وعناصر  تنتمي  لمناطق مختلفة من العالم، وتم تسفيرها لأوكرانيا بطرق مختلفة طوال الأشهر الماضية؛ وهذه العناصر تقاتل في الوقت الحالي في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية بدعم غربي لها غير مباشر . 

ويوجد بين هذه العناصر العديد من المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين يلتزمون بالفكر المتطرف، وهم يعمدون حاليا الى القتال في أوكرانيا ضمن أجندة خاصة بهم، وهي إستغلال فترة السماح الأميركية لوجودهم في أوكرانيا،  من اجل إكتساب الخبرة القتالية بفعل انهم  منخرطون  بالعمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الأوكراني في هذه الآونة . وبذهن هؤلاء  الإرهابيين أنهم سيكون بإمكانهم الإفادة من هذه الخبرة القتالية بعد عودتهم الى بلادهم حيث هناك توجد  أهدافهم الحقيقة.

ثانيا – تجري حاليا بين ظهراني الجيش الأوكراني عمليات تعزيز العلاقات بين هؤلاء الإرهابيين المهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا  إلى أوكرانيا،  وبين   أشخاص لديهم نفس تفكيرهم المتطرف يتواجدون  في دول مختلفة من العالم ومنها الدول الاوروبية ؛ و تتم  دعوة هؤلاء الأخيرين  للمجيئ بطرق غير شرعية الى اوكرانيا والإقامة فيها؛ لإنشاء أوسع جبهة علاقات إرهابية، خاصة وأن هذا الأمر يمكن إنجازه اليوم في أوكرانيا نظرا لأن واشنطن تغطي عملية وجود العناصر الارهابية في هذا البلد لدعم الجيش الاوكراني في حربه ضد روسيا.

 ويمكن وصف هذا المشهد الراهن الذي يسود أوكرانيا، بأنه يشبه إلى حد بعيد مشهد أفغانستان حينما شجعت واشنطن تحويلها إلى مستودع تم فيه  تجميع أكبر كم من العناصر التكفيرية المتشددة التي تم تسهيل سفرها إلى هناك من مختلف أنحاء العالم .

أن خطورة هذا التصرف الأميركي،  تكمن في أن واشنطن تكرر من خلاله،  نفس خطيئة ما حصل في أفغانستان جراء أنها شجعت ولادة حالة إرهابية تكفيرية لتستنزف بها الاتحاد السوفياتي حينها، ولكن هذه الحالة قامت بتوجيه إرهابها لاحقا لكل دول المنطقة والعالم،  وحتى الى داخل الولايات المتحدة الأميركية ذاتها ( عملية ١١ سبتمبر)  .  ومن البديهي في هذه اللحظة توقع أن  هؤلاء الإرهابيين سيعودون مع حلول  اللحظة المناسبة لهم ، إلى بلادهم لينفذوا هناك عمليات ارهابية بهدف السيطرة على الحكم وهز استقرار العالم.

والخلاصة الاساسية في هذا المجال تؤشر الى  أن خطط التسليح الغربي الكثيفة والمتفلتة لأوكرانيا، إنما تؤسس إلى مرحلة لاحقة تمنح مشروع الإرهاب التكفيري طفرة تأسيسية جديدة.

والواقع ان حلف الناتو من خلال أفعاله هذه ( إرسال أسلحة غربية لاوكرانيا من  دون التدقيق بموضوع تسربها لارهابيين ، وغض الطرف عن  وصول المرتزقة المتطرفين للقتال في اوكرانيا ضد الجيش الروسي)  إنما  يدعم الإرهاب؛ ويؤسس لان تتحول أوكرانيا إلى أفغانستان ثانية ينطلق منها الجيل الرابع من تنظيم القاعدة.  

ثالثا –  أن هذا الواقع الخطر ،  دفع وكالة تطبيق القانون الأوروبية (  اليوروبول) إلى إصدار بيان لفت فيه  إلى ضرورة العمل من أجل تتبع مسار تهريب الأسلحة  من أوكرانيا إلى داخل دول الإتحاد الاوروبي، ودعا إلى ضرورة العمل لتخفيف  خطر تهريب الأسلحة من أوكرانيا  إلى داخل دول  الإتحاد الأوروبي.

ورغم أن وكالة ” اليوروبول ” حاولت لأسباب سياسية تتعلق بإنحيازها لواشنطن،التخفيف من حدة كلامها عن هذه الظاهرة،الا أن مجرد إصدار بيان من قبلها بهذا الشأن، يعتبر دليلا حاسما على أنه لم يعد يمكن لاوروبا تجاهل خطورة هذه المشكلة على الأمن الداخلي الأوروبي.

 ولعل اخطر فقرة في بيان  وكالة اليوروبول هو تحذيرها من  أن كل الملاحظات المجمعة من تجارب الحروب  الماضية في مناطق مختلفة من العالم،  تظهر وجود إحتمال أن تصل الأسلحة الى الجهات الخطأ ( يقصد البيان الايادي الارهابية) ؛ وحذر  اليوروبول  من”  أن انتشار الأسلحة النارية والمتفجرات في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى زيادة منسوب تهريب الأسلحة  والذخائر  إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق التهريب أو عبر منصات الإنترنت. و قد يصبح  هذا التهديد  أعلى، عندما ينتهي  الصراع في اوكرانيا” .

واضح أن بيان وكالة اليوروبول يحذر بشكل غير مباشر  من أن  المشهد الافغاني الذي انتج تنظيم  القاعدة؛ قد يتكرر  في اوكرانيا فيما لو لم يتحرك الغرب  لضبط عمليات التسليح الكثيف والمتفلت لاوكرانيا. 

ومن المعلومات التي إثارت القلق ايضا في هذا المجال ، هو ما أعلنته  مفوضة الشؤون الداخلية بالإتحاد الأوروبي إيلفا يوهانسون عن إنشاء مركز في مولدوفا لمحاربة الجريمة المنظمة؛ وبخاصة لمكافحة ظاهرة تهريب الأسلحة من أوكرانيا.

ومجرد تركيز مركز دعم الاتحاد الأوروبي للأمن الداخلي وإدارة الحدود،  على قضية منع تهريب الأسلحة من أوكرانيا، فهذا يعني أن هذا الملف أصبح يشكل  تحديا ماثلا للأمن القومي الأوروبي.

وكان لافتا الوصف الذي أستعمله المركزعينه لعمليات تهريب الأسلحة من أوكرانيا، حيث قال أن مثل هذا التهريب “سيغذي العنف في الشبكات الإجرامية في الاتحاد الأوروبي”.واعترف انه بات  من الصعب حاليا تجنب تهريب الأسلحة، وكل ما يمكن  فعله من قبل  أوروبا الآن، هو محاولة تعقب شبكات التهريب”؛ و لكن مسؤولا في  المركز قال لصحيفة فرنسية، أن ” كل من يدعي أنه سينجح في مهمة التعقب ووقف تهريب الأسلحة من أوكرانيا إلى أوروبا،  إنما هو يكذب” ؛ وذكر المسؤول عينه  كيف فشلت أوروبا في تحقيق ذات هدف منع تسرب الأسلحة الى أوروبا بعد الحرب في يوغوسلافيا “

رابعا – تبين المعلومات ان مولدوفا تمثل المكان الذي، تنشط فيه بشكل مركزي عمليات تهريب السلاح من اوكرانيا الى الخارج . وفي تعليق له على هذا الملف لفت وزير الهجرة السويدي أندرس يغمان إلى أمرين أثنين : الأول  إن معظم الأسلحة الغربية  الموردة الى اوكرانيا، تصل إلى أيدي  الجيش الأوكراني. وما يريد يغمان الاشارة اليه ولو تلميحا هو ان الجيش الأوكراني يُعد المصدر الأساسي لعمليات تهريب السلاح.

الأمر الثاني هو تكراره لتحذير رئيس الإنتربول يورغن ستوك بخصوص  أنه “بمجرد أن تصمت المدافع في اوكرانيا ،فأنه ستظهر  الأسلحة غير القانونية المهربة من اوكرانيا،  في أوروبا ومناطق عدة من العالم “.

ويقول  ستوك  انه “يجب على أوروبا والعالم أن يشعروا  بالقلق، وعلينا جميعا أن نتوقع تهريب هذه الاسلحة الى الدول المجاورة والقارات الاخرى”.

خامسا : معظم التقارير التي تتحدث عن إحتمال وصول السلاح الغربي الموجود حاليا في أوكرانيا إلى الايادي الخاطئة (أي إلى الإرهابيين حول العالم )، تركز على أمر تعتبره هاما وهو أن أوكرانيا لديها تاريخ طويل من تجارة الأسلحة غير المشروعة ، وأبرزها حالة السفينة MV Faina ، وهي سفينة شحن أوكرانية تم القبض عليها لتهريب الدبابات والمدفعية وبنادق هجومية من طراز AKM إلى السودان في عام 2009 – والتي ظهرت عندما تم القبض على السفينة  من قبل قراصنة صوماليين.

أن كل هذه التحذيرات من أخطار تهريب السلاح من أوكرانيا،  يأتي في لحظة يعمد فيها الرئيس الأوكراني زيلينسكي الى توجيه ما يسميه بنداءات جديدة عاجلة لتعزيز إمدادات الأسلحة والذخيرة الغربية إلى أوكرانيا  للمساعدة في مواجهة صد الهجوم الروسي في شرق البلاد وجنوبها.

بات واضحا للكثير من مراكز مكافحة تهريب السلاح حول العالم،  وهيئات مكافحة وصول السلاح إلى أيادي الإرهابيين،  أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي عبر حثه الغرب لإرسال المزيد من شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا بحجة استخدامها في  وقف التقدم الروسي،  إنما يريد خدمة أنشطة منظومات شبكات تهريب الأسلحة غير الشرعية التي لديها تداخل مصالح مع حكام كييف وقيادات نافذة في  الجيش الأوكراني التي تشرف بحسب العديد من المعلومات المفتوحة، على أنواع عدة من عمليات تهريب الأسلحة وبيعها.

وكانت هيئة الشرطة الأوروبية يوروبول، كشفت بالمعلومات عن أنواع تجري على مستوى عمليات تهريب السلاح من اوكرانيا، وايضا على مستوى بيع السلاح أو الترويج لبيع السلاح  بشكل غير قانوني .  وقوامها التالي:

–  حالات تهريب أسلحة نارية وسلع عسكرية عبر السوق السوداء.

–  وجود حالات بيع أسلحة ثقيلة، وكل هذه المؤشرات تدفع للخشية في “خطر الوقوع في أحضان إرهابيي الجريمة المنظمة ”، سيما وأنه تمت مشاهدة أفراد يغادرون أوكرانيا بأسلحة نارية.

–  هناك مخاوف من إحتمال تخزين الأسلحة والذخيرة على طول الحدود الأوكرانية لتهريبها لاحقًا إلى دول الاتحاد الأوروبي.

– بروز إعلانات على الشبكة المظلمة حول بيع نظام الرمح المضاد للدبابات.

– ما نقلته هيئة الإذاعة والتلفزيون SWR نقلاً عن وثيقة سرية من europol من  أن الجماعات الإجرامية تنشط في المنطقة وتنفذ أو تخطط لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة النارية والذخيرة ، بما في ذلك الذخيرة الحية.

أنقرة وسياسات ” فرق تسد” في ليبيا

تؤدي أنقرة داخل الأزمة الليبية دورا معطلا للحلول ، و بات واضحا أنه  يهدف الى زعزعة الإستقرار في هذا البلد الذي يعتبره الرئيس التركي رجب طيب  أردغان أنه جزء من الأرث التاريخي لنفوذ  تركيا العثمانية .

والواقع أن أردوغان ينظر إلى ليبيا من ثقب باب قصور السلاطين العثمانيين، ويعتقد بعمق  أن هذا المجد العثماني القديم،  يتوجب إعادة إحيائه، وذلك عبر أساليب، وأن كانت  تحاول أن تبدو حديثة؛  إلا أنها تخدم ذات الأهداف العثمانية البالية القديمة.

ومن منظور الأردوغانية العثمانية، فان السيطرة من قبل تركيا على ليبيا،  يعد واحدا من  الأهداف الهامة التي  لا بد من تحقيقها فيما لو أرادت تركيا إعادة احياء مجد الإمبراطورية العثمانية. 

وتتبع تركيا في هذه اللحظة  التي تتسم  بعودة الصراع الداخلي في ليبيا إلى الإحتدام، “سياسات خلط الأوراق” في ليبيا، ولكن هذه المرة عبر ممارسة “مناورات متداخلة و  مختلفة”؛   فيها “ما هو سياسي”، كإستقبال أردوغان لأول مرة عقيلة صالح حليف خليفة حفتر  و”الزعيم الشرقي ” ( نسبة لشرق ليبيا)  في أنقرة، وفيها ” ما هو عسكري”  كطرد الميليشيات التابعة لفتحي  باشاغا من طرابلس الغرب حينما حاول جعل حكومته تستقر فيها، وفيها “ما هو  اقتصادي وتسليحي واستخباراتي” ، الخ.

قراءة المزيد: أنقرة وسياسات ” فرق تسد” في ليبيا

وتهدف كل هذه المناورات  التركية المركبة والمستحدثة  الى تحقيق  غير هدف في وقت واحد؛  أبرزها التالي :

–  تعطيل عملية التسوية الداخلية في ليبيا، لأن أنقرة ليس لها مصلحة بتسوية ليبية لا تتم في أنقرة أو تحت جناحي تركيا .

 – وخدمة  لنفس المبدأ الوارد أعلاه،  تعمل أنقرة على تعزيز حالة عدم اليقين السياسي والأمني  لدى  كل القوى الليبية  الداخلية، والهدف من ذلك جعل كل القوى الليبية لديها حاجة  للعلاقة مع الدور التركي الأكثر حضورا  امنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا ، على الأرض في ليبيا .

وفي إطار سعيها لجعل معظم القوى الليبية في حالة تبعية لتركيا؛ فتح أردوغان مؤخرا باب أنقرة امام إستقبال زعماء من شرق ليبيا ، بعد أن كانت علاقات أنقرة الليبية محصورة بغرب ليبيا. 

وهذا الهدف التركي،  هو الذي يفسر لماذا استقبلت أنقرة  مؤخرا  كل من عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق، وعبد الله اللاقي نائب رئيس المجلس الرئاسي.

في الظاهر يوحي أردوغان من خلال استقباله هاتين الشخصيتين، أنه يسعى لعقد تسوية بين مكونين ليبيين قادرين على إنتاج تسوية ليبية داخلية فيما لو توافقا ؛ وهما البرلمان والمجلس الرئاسي؛ ولكن في العمق، فإن  ما يريده أردوغان هو ربط كل مفاصل الحركة الداخلية الليبية بأنقرة، وذلك  من أجل تعطيل الحل،  وليس من أجل إبرام تسوية،  ومن أجل تأجيج الصراعات بينها،  وليس من أجل إرساء تفاهمات بينها.

ويلاحظ انه بعد استقبال انقرة لعقيلة صالح ثار في ليبيا سؤال كبير، وهو عما إذا كان لقاء أردوغان بعقيلة  صالح حليف قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر ، يعني أن أردوغان أدار ظهره لحلفائه في غرب ليبيا، وبدأ رحلة مصالحة وتحالف مع الشرق الليبي؟؟. واكثر من ذلك، تساءل طارحو هذا السؤال عما إذا كان لقائه بعقيلة صالح،  يعني أن أردوغان  أدار ظهره لحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة ، لصالح دعم حكومة باشاغا التي عينها برلمان طبرق المعبّر عن شرق ليبيا و المنقاد من عقيلة صالح وحليفه حفتر؟؟

والواقع أن هذه التساؤلات تحمل تبسيطا لأسباب إنفتاح أردوغان الآن على شرق ليبيا!!؛ وكل القصة هنا تقع في أن أردوغان يقود في هذه المرحلة في  ليبيا سياسات معقدة ومركبة، وتسعى لتحقيق أهداف  إستراتيجية تتجاوز مجرد البحث عن بسط نفوذ وما شابه.

وداخل  الأهداف الإستراتيجية غير المعلنة التي تتحكم  بوجهة نظر  رؤية أنقرة لدورها في ليبيا ، يوجد  هدف مركزي يتوجب على الجانب العربي التنبه له بجدية ؛ وعنوان هذا الهدف هو إضعاف أواصر العلاقة التاريخية بين ليبيا وبعدها العربي الطبيعي؛  وذلك من خلال جعل العلاقة الليبية التركية تبدو بنظر الليبيين، وذلك بالإستناد الى  تقوية الحضور التركي في ليبيا،  أهم من علاقات ليبيا العربية ، سواء مع مصر أو مع دول المغرب العربي و الخليج، الخ.

وعليه فإن أكثر طرف معني بمواجهة هذا المشروع التركي في ليبيا،  هو الجامعة العربية التي يعتبر  الحفاظ على الهوية العربية لليبيا وعلى موقعها الاستراتيجي  داخل بيئتها العربية،  هو من صميم دورها ومهامها.

والواقع أن إستقبالات أنقرة الأخيرة للمسؤولين الليبيين، أرادت توجيه رسائل بالجملة إلى البيئة العربية والى العالم والى الداخل الليبي . ويمكن فكفكة جزئيات هذه الرسائل التركية  من خلال عرض نقاطها الرئيسة، وهي تندرج على النحو التالي:

أراد  أردوغان  من  توالي زيارات  رئيس  مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى تركيا، و نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللاقي ومن ثم رئيس المجلس الرئاسي خالد المشري ،  تحقيق هدف  يتمثل بفتح الباب أمام حصول أوسع حركة  إجتماعات ومشاورات ممكنة بين القادة الليبيين من كل الفئات،  وبين تركيا ، وذلك على الأراضي التركية..  وهدف أنقرة من ذلك تقديم نفسها في صورة أنها مرجعية الشأن الليبي سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي..  كما أراد أردوغان القول أنه بعد الفشل الدولي في حلحلة الأزمة الليبية؛ وبعد فشل مصر ومعها العرب، في جمع الدبيبة وباشاغا في القاهرة، فإن الطرف الوحيد القادر على جمع التناقضات الليبية هو تركيا .

..و إستتباعا؛ وضمن نفس هذه النقطة، فإنه في ظل هذه المرحلة بالذات  التي تتميز  بإنشغال دول القرار العالمي بأزمة أوكرانيا، فإن  أنقرة تطلع  إلى أن تستغل لصالحها  هذا  الفراغ الدولي الكبير الحاصل حاليا في ليبيا،  والذي تتوقع أنقرة  أنه سيتزايد خلال فصل الشتاء ، حيث ان موضوع  تدفئة أوروبا، وليس ليبيا أو غيرها،  سيكون الشغل الشاغل للعالم. 

والأمر الأخر الرئيسي الذي يحرك الإندفاعة السياسية الحالية لإردوغان بإتجاه ليبيا ؛ هو قناعة موجودة لدى  القيادة التركية، مفادها أن  أنقرة نجحت في ظل  الفترة السابقة من  أزمة ليبيا ، بعقد  إتفاقيات تعاون إستراتيجي إقتصادي وعسكري وأمني مع حكومة السراج المعترف بها دوليا. وهذا يعني – حسبما يقول هذا التحليل-   أنه بإمكان أردوغان في ظل  تجدد  الخلافات البينية في ليبيا، إستكمال عملية إحراز المزيد من  إتفاقيات التعاون الإستراتيجي بين أنقرة وليبيا،  وجعل هذه الاتفاقيات أمرا واقعا يجب على أي نظام سياسي مستقبلي جديد في ليبيا التعامل معه. كما أن أردوغان يريد من فتح باب أنقرة لإستقبال كل  ممثلي أطياف الأزمة الليبية، تسليط الضوء على نفسه بوصفه  ” مايسترو” قادر على إدارة حوار ليبي وطني  بين حميع الفيئات الليبية.

وهناك تسريبات مصدرها أوساط سياسية تركية،  تفيد بأن أنقرة ترى أنه مع وجود حاجة دولية للإهتمام بمشاكل أخرى حادة تقع خارج المنطقة ، فإن هناك إمكانية وفرصة كبيرة لإردوغان بأن ينتزع من واشنطن وأوروبا ” تفويض أمر واقع” بإدارة الأزمة الليبية .

وهذا التوجه هو الذي يفسر لماذا تحاول أنقرة في هذه الفترة توسيع تكتيكات علاقاتها داخل ليبيا ، ذلك لأنها  تريد الظهور بصفة  أن لديها رصيد داخل ليبي يمنحها مقومات نيل تفويض دولي لتولي حل أزمة ليبيا .. ومن هنا أطلقت  أنقرة مجموعة  مناوراتها الأخيرة التي  تظهرها بأنها  تدعم الحلول الشرعية و تؤيد بخاصة  المباحثات القائمة بين مجلس النواب الليبي في طبرق والمجلس الأعلى للدولة حول تشكيل القاعدة الدستورية؛ وأتها تدعم توحيد شرق ليبيا وغربها،  وأنها مستعدة لأن تكون جسر حوار بين الطرفين، ولكن ما تريده أنقره بالفعل  في هذه المرحلة ، هو إبقاء الإنقسام قائم بين الحكومتين في ليبيا، لأن ذلك يعزز دورها كقوة إقليمية يحتاجها أطراف  الصراع الليبي.

.. وإنطلاقا من هذه الإستراتيجية التي تريد الإنتقال من مرحلة بسط النفوذ التركي على جزء من ليبيا ( غرب ليبيا)  لمرحلة بسط النفوذ التركي  على كل ليبيا ( الشرق أيضا)،  جاءت جملة مناورات أردوغان السياسية الأخيرة ، خاصة منها إستقبال أنقرة لعقيله صالح واللاقي والمشري، الخ..

الجيل الرابع من تنظيم القاعدة يولد  داخل حرب أميركا الاوكرانية: أسلحة الغرب في أيدي  المجموعات الإرهابية

داخل أروقة قريبة من مؤسسات الأمن العربية الرسمية والبحثية، يثار نقاش عميق حول موضوع يتصف بأنه خطر ويحتاج الى معالجة على مستوى الجامعة العربية ووزارات الدفاع والداخلية العربية، نظرا لصلته الخطرة  بالأمن القومي العربي.

فحوى هذا النقاش يتعلق بتزايد القلق من  إتساع حجم إنتشار أنواع مختلفة من  الأسلحة الغربية في أوكرانيا؛ علما أن هذه الأسلحة يرسلها الغرب الى الجيش الأوكراني بغرض تنفيذ خطة واشنطن بشن حرب إستنزاف طويلة الأمد ضد روسيا في اوكرانيا؛ ولكن  المشكلة التي برزت الآن لدى مناصري خطة استنزاف روسيا، تتعلق بأن  هذه الأسلحة الغربية الفعالة  التي باتت موجودة  بكثافة في أوكرانيا، بدأت تشكل مشكلة لأمن منطقتي الشرق الأوسط و أوروبا؛ وذلك نتيجة تعاظم تسرب هذه الأسلحة  بشكل كبير  إلى المجموعات الأرهابية من أصول شرق اوسطية، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعات أما انها تتواجد حاليا داخل اوكرانيا بدعوى انها تقاتل إلى جانب الجيش الاوكراني ضد روسيا أو انها موجودة في دول عدة من العالم.

قراءة المزيد: الجيل الرابع من تنظيم القاعدة يولد  داخل حرب أميركا الاوكرانية: أسلحة الغرب في أيدي  المجموعات الإرهابية

أن هذا الواقع ينتج عنه نوعان من التهديدات :

الأول تهديد مباشر للأمن في منطقتي أوروبا والشرق الأوسط.

والثاني تهديد غير مباشر ومستقبلي يتمثل بان هؤلاء العناصر الارهابية سيمثلون خطرا على أمن  بلادهم حينما يعودون إليها بعد انتهاء مهمتهم الأميركية في أوكرانيا. 

وحتى الآن فإن المعلومات المتوفرة و المتعلقة بهذه القضية، باتت تكفي لإثارة قلق المنطقة  العميق، وباتت تشكل مستندا كافيا لجعل الجامعة العربية بشكل خاص، تتحرك  لوقف هذا الخطر المنطلق من اوكرانيا والمدعوم اميركيا ، على نحو مبكر .

وفيما تعرض ” ليزي” ،  جانبا من المعلومات المتوفرة عن التسرب  الكثيف للأسلحة الغربية الى أوكرانيا حيث تصل إلى أيدي  جماعات إرهابية؛ علما أن المسؤولية الأساسية  عن حصول هذا الأمر تقع على ثلاث فئات :

الفئة الأولى تتمثل بمنظومات الفساد الموجودة داخل الجيش الأوكراني وداخل بيئات جماعة الحكم في كييف التي تقوم ببيع هذه  الأسلحة الغربية إلى جماعات ارهابية بقصد تحقيق ثروات غير شرعية وشخصية. 

الفئة الثانية هي سياسات واشنطن والناتو  التي تكرر في أوكرانيا نفس سياسات واشنطن في أفغانستان التي نتج عنها ولادة الجيل الأول من تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن؛ وانذاك شجعت واشنطن وصول متطرفين إرهابيين إلى أفغانستان لقتال الاتحاد السوفياتي واستنزافه، واليوم تغض المخابرات الأميركية النظر،  بل وتشجع  وصول متطرفين إرهابيين من حول العالم إلى أوكرانيا  لاستنزاف روسيا، وتقوم واشنطن كما فعلت بافغانستان بصرف مليارات الدولارات لتمويل إرسال الأسلحة الغربية بكثافة الى أوكرانيا حيث بات يوجد فيها عش دبابير الإرهابيين الشرق أوسطيين.

الفئة الثالثة هي مافيات تجارة الأسلحة ذات الصلة بمنظمات الجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابية ؛ إضافة إلى مجموعات الإرهاب العالمي التي تبحث بعد تفكيكها في سورية والعراق،  عن بلد آمن لها ، يلعب بالنسبة اليها نفس دور أفغانستان خلال حقبة الحرب الباردة. وواضح  أن أوكرانيا تمثل حاليا بالنسبة للجيل الرابع من تنظيم القاعدة، ملاذا وحيدا كي تعيد تجميع نفسها فيه، وذلك كون واشنطن لديها مصلحة في تجميع كل ارهابيي العالم في أوكرانيا لاعطاء فرصة لشن حرب استنزاف طويلة ضد روسيا .

لقد أدى تدفق السلاح الغربي إلى أوكرانيا إلى خلق منظومة للإتجار  غير الشرعي بالسلاح ، له صلة بالوضع الاوكراني ؛ وتضم هذه المنظومة مجموعات إرهابية و منظمات مسلحة غير رسمية،  بالإضافة الى جماعات جريمة الإتجار بالسلاح بشكل غير قانوني التي تلعب أدوار الوسيط بين مافيات كييف العسكرية والسياسية وبين مجموعات ارهابية داخل اوكرانيا وخارجها مهتمة بشراء هذا السلاح بطرق ملتوية.

ماذا عن الوقائع والمعلومات المتصلة بهذا الملف :

أولا – يتضح من المعلومات الموثوقة أن القسم الأكبر من  المسلحين الذين تتسرب إليهم هذه الأسلحة الغربية المباعة في أوكرانيا،  من قبل مافيات الجيش الاوكراني وجماعة الحكم في كييف،  هم أعضاء وعناصر  تنتمي  لمناطق مختلفة من العالم، وتم تسفيرها لأوكرانيا بطرق مختلفة طوال الأشهر الماضية؛ وهذه العناصر تقاتل في الوقت الحالي في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية بدعم غربي لها غير مباشر . 

ويوجد بين هذه العناصر العديد من المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين يلتزمون بالفكر المتطرف، وهم يعمدون حاليا الى القتال في أوكرانيا ضمن أجندة خاصة بهم، وهي إستغلال فترة السماح الأميركية لوجودهم في أوكرانيا،  من اجل إكتساب الخبرة القتالية بفعل انهم  منخرطون  بالعمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الأوكراني في هذه الآونة . وبذهن هؤلاء  الإرهابيين أنهم سيكون بإمكانهم الإفادة من هذه الخبرة القتالية بعد عودتهم الى بلادهم حيث هناك توجد  أهدافهم الحقيقة.

ثانيا – تجري حاليا بين ظهراني الجيش الأوكراني عمليات تعزيز العلاقات بين هؤلاء الإرهابيين المهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا  إلى أوكرانيا،  وبين   أشخاص لديهم نفس تفكيرهم المتطرف يتواجدون  في دول مختلفة من العالم ومنها الدول الاوروبية ؛ و تتم  دعوة هؤلاء الأخيرين  للمجيئ بطرق غير شرعية الى اوكرانيا والإقامة فيها؛ لإنشاء أوسع جبهة علاقات إرهابية، خاصة وأن هذا الأمر يمكن إنجازه اليوم في أوكرانيا نظرا لأن واشنطن تغطي عملية وجود العناصر الارهابية في هذا البلد لدعم الجيش الاوكراني في حربه ضد روسيا.

 ويمكن وصف هذا المشهد الراهن الذي يسود أوكرانيا، بأنه يشبه إلى حد بعيد مشهد أفغانستان حينما شجعت واشنطن تحويلها إلى مستودع تم فيه  تجميع أكبر كم من العناصر التكفيرية المتشددة التي تم تسهيل سفرها إلى هناك من مختلف أنحاء العالم .

أن خطورة هذا التصرف الأميركي،  تكمن في أن واشنطن تكرر من خلاله،  نفس خطيئة ما حصل في أفغانستان جراء أنها شجعت ولادة حالة إرهابية تكفيرية لتستنزف بها الاتحاد السوفياتي حينها، ولكن هذه الحالة قامت بتوجيه إرهابها لاحقا لكل دول المنطقة والعالم،  وحتى الى داخل الولايات المتحدة الأميركية ذاتها ( عملية ١١ سبتمبر)  .  ومن البديهي في هذه اللحظة توقع أن  هؤلاء الإرهابيين سيعودون مع حلول  اللحظة المناسبة لهم ، إلى بلادهم لينفذوا هناك عمليات ارهابية بهدف السيطرة على الحكم وهز استقرار العالم.

والخلاصة الاساسية في هذا المجال تؤشر الى  أن خطط التسليح الغربي الكثيفة والمتفلتة لأوكرانيا، إنما تؤسس إلى مرحلة لاحقة تمنح مشروع الإرهاب التكفيري طفرة تأسيسية جديدة.

والواقع ان حلف الناتو من خلال أفعاله هذه ( إرسال أسلحة غربية لاوكرانيا من  دون التدقيق بموضوع تسربها لارهابيين ، وغض الطرف عن  وصول المرتزقة المتطرفين للقتال في اوكرانيا ضد الجيش الروسي)  إنما  يدعم الإرهاب؛ ويؤسس لان تتحول أوكرانيا إلى أفغانستان ثانية ينطلق منها الجيل الرابع من تنظيم القاعدة.  

ثالثا –  أن هذا الواقع الخطر ،  دفع وكالة تطبيق القانون الأوروبية (  اليوروبول) إلى إصدار بيان لفت فيه  إلى ضرورة العمل من أجل تتبع مسار تهريب الأسلحة  من أوكرانيا إلى داخل دول الإتحاد الاوروبي، ودعا إلى ضرورة العمل لتخفيف  خطر تهريب الأسلحة من أوكرانيا  إلى داخل دول  الإتحاد الأوروبي.

ورغم أن وكالة ” اليوروبول ” حاولت لأسباب سياسية تتعلق بإنحيازها لواشنطن،التخفيف من حدة كلامها عن هذه الظاهرة،الا أن مجرد إصدار بيان من قبلها بهذا الشأن، يعتبر دليلا حاسما على أنه لم يعد يمكن لاوروبا تجاهل خطورة هذه المشكلة على الأمن الداخلي الأوروبي.

 ولعل اخطر فقرة في بيان  وكالة اليوروبول هو تحذيرها من  أن كل الملاحظات المجمعة من تجارب الحروب  الماضية في مناطق مختلفة من العالم،  تظهر وجود إحتمال أن تصل الأسلحة الى الجهات الخطأ ( يقصد البيان الايادي الارهابية) ؛ وحذر  اليوروبول  من”  أن انتشار الأسلحة النارية والمتفجرات في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى زيادة منسوب تهريب الأسلحة  والذخائر  إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق التهريب أو عبر منصات الإنترنت. و قد يصبح  هذا التهديد  أعلى، عندما ينتهي  الصراع في اوكرانيا” .

واضح أن بيان وكالة اليوروبول يحذر بشكل غير مباشر  من أن  المشهد الافغاني الذي انتج تنظيم  القاعدة؛ قد يتكرر  في اوكرانيا فيما لو لم يتحرك الغرب  لضبط عمليات التسليح الكثيف والمتفلت لاوكرانيا. 

ومن المعلومات التي إثارت القلق ايضا في هذا المجال ، هو ما أعلنته  مفوضة الشؤون الداخلية بالإتحاد الأوروبي إيلفا يوهانسون عن إنشاء مركز في مولدوفا لمحاربة الجريمة المنظمة؛ وبخاصة لمكافحة ظاهرة تهريب الأسلحة من أوكرانيا.

ومجرد تركيز مركز دعم الاتحاد الأوروبي للأمن الداخلي وإدارة الحدود،  على قضية منع تهريب الأسلحة من أوكرانيا، فهذا يعني أن هذا الملف أصبح يشكل  تحديا ماثلا للأمن القومي الأوروبي.

وكان لافتا الوصف الذي أستعمله المركزعينه لعمليات تهريب الأسلحة من أوكرانيا، حيث قال أن مثل هذا التهريب “سيغذي العنف في الشبكات الإجرامية في الاتحاد الأوروبي”.واعترف انه بات  من الصعب حاليا تجنب تهريب الأسلحة، وكل ما يمكن  فعله من قبل  أوروبا الآن، هو محاولة تعقب شبكات التهريب”؛ و لكن مسؤولا في  المركز قال لصحيفة فرنسية، أن ” كل من يدعي أنه سينجح في مهمة التعقب ووقف تهريب الأسلحة من أوكرانيا إلى أوروبا،  إنما هو يكذب” ؛ وذكر المسؤول عينه  كيف فشلت أوروبا في تحقيق ذات هدف منع تسرب الأسلحة الى أوروبا بعد الحرب في يوغوسلافيا “

رابعا – تبين المعلومات ان مولدوفا تمثل المكان الذي، تنشط فيه بشكل مركزي عمليات تهريب السلاح من اوكرانيا الى الخارج . وفي تعليق له على هذا الملف لفت وزير الهجرة السويدي أندرس يغمان إلى أمرين أثنين : الأول  إن معظم الأسلحة الغربية  الموردة الى اوكرانيا، تصل إلى أيدي  الجيش الأوكراني. وما يريد يغمان الاشارة اليه ولو تلميحا هو ان الجيش الأوكراني يُعد المصدر الأساسي لعمليات تهريب السلاح.

الأمر الثاني هو تكراره لتحذير رئيس الإنتربول يورغن ستوك بخصوص  أنه “بمجرد أن تصمت المدافع في اوكرانيا ،فأنه ستظهر  الأسلحة غير القانونية المهربة من اوكرانيا،  في أوروبا ومناطق عدة من العالم “.

ويقول  ستوك  انه “يجب على أوروبا والعالم أن يشعروا  بالقلق، وعلينا جميعا أن نتوقع تهريب هذه الاسلحة الى الدول المجاورة والقارات الاخرى”.

خامسا : معظم التقارير التي تتحدث عن إحتمال وصول السلاح الغربي الموجود حاليا في أوكرانيا إلى الايادي الخاطئة (أي إلى الإرهابيين حول العالم )، تركز على أمر تعتبره هاما وهو أن أوكرانيا لديها تاريخ طويل من تجارة الأسلحة غير المشروعة ، وأبرزها حالة السفينة MV Faina ، وهي سفينة شحن أوكرانية تم القبض عليها لتهريب الدبابات والمدفعية وبنادق هجومية من طراز AKM إلى السودان في عام 2009 – والتي ظهرت عندما تم القبض على السفينة  من قبل قراصنة صوماليين.

أن كل هذه التحذيرات من أخطار تهريب السلاح من أوكرانيا،  يأتي في لحظة يعمد فيها الرئيس الأوكراني زيلينسكي الى توجيه ما يسميه بنداءات جديدة عاجلة لتعزيز إمدادات الأسلحة والذخيرة الغربية إلى أوكرانيا  للمساعدة في مواجهة صد الهجوم الروسي في شرق البلاد وجنوبها.

بات واضحا للكثير من مراكز مكافحة تهريب السلاح حول العالم،  وهيئات مكافحة وصول السلاح إلى أيادي الإرهابيين،  أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي عبر حثه الغرب لإرسال المزيد من شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا بحجة استخدامها في  وقف التقدم الروسي،  إنما يريد خدمة أنشطة منظومات شبكات تهريب الأسلحة غير الشرعية التي لديها تداخل مصالح مع حكام كييف وقيادات نافذة في  الجيش الأوكراني التي تشرف بحسب العديد من المعلومات المفتوحة، على أنواع عدة من عمليات تهريب الأسلحة وبيعها.

وكانت هيئة الشرطة الأوروبية يوروبول، كشفت بالمعلومات عن أنواع تجري على مستوى عمليات تهريب السلاح من اوكرانيا، وايضا على مستوى بيع السلاح أو الترويج لبيع السلاح  بشكل غير قانوني .  وقوامها التالي:

–  حالات تهريب أسلحة نارية وسلع عسكرية عبر السوق السوداء.

–  وجود حالات بيع أسلحة ثقيلة، وكل هذه المؤشرات تدفع للخشية في “خطر الوقوع في أحضان إرهابيي الجريمة المنظمة ”، سيما وأنه تمت مشاهدة أفراد يغادرون أوكرانيا بأسلحة نارية.

–  هناك مخاوف من إحتمال تخزين الأسلحة والذخيرة على طول الحدود الأوكرانية لتهريبها لاحقًا إلى دول الاتحاد الأوروبي.

– بروز إعلانات على الشبكة المظلمة حول بيع نظام الرمح المضاد للدبابات.

– ما نقلته هيئة الإذاعة والتلفزيون SWR نقلاً عن وثيقة سرية من europol من  أن الجماعات الإجرامية تنشط في المنطقة وتنفذ أو تخطط لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة النارية والذخيرة ، بما في ذلك الذخيرة الحية.

“منظمة الدول التركية”: مشروع أنقرة للهيمنة الإقليمية وتوسيع أسواق بيع أسلحتها

في اكتوبر من العام 2009 تم بزعامة أنقرة،  تأُسّيس “المجلس التركي”،  وهو يضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان، والمجر بصفة مراقب.

وبعد سنوات،  وخلال انعقاد  المجلس التركي الثامن الذي  عرف حينها ” بقمة  اسطنبول” ، اعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطابه الافتتاحي انه تم  تغيير اسم  “المجلس التركي” الذي يضم الدول الناطقة بالتركية، ليصبح اسمه الجديد  “منظمة الدول التركية”.

ومن خلال كلمته الافتتاحية حينها، كان يمكن لاي مراقب ان يستنتج الفقرات التي تبين ضمن خطابه،  ماهية مشروع منظمة الدول التركية،  كما يفكر بها اردوغان: 

اولا ؛  قال اردوغان ان ولادة منظمة الدول التركية  ستفتح الطريق لحدوث افاق واسعة لتعزيز التعاون بين دول هذا التكتل سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

ثانيا؛ اعتبر أردوغان  ان قمة اسطنبول التي تم  فيها اعلان ولادة منظمة الدول التركية، امتازت بأن المشاركين فيها الذين أسماهم “بمجلس عائلتنا” ،  قرروا التالي :

أ –   تغيير اسم المجلس التركي  إلى اسم جديد، هو “منظمة الدول التركية” .. واستخدام مصطلح منظمة ظهر ان المقصود منه الاقتراب من اعلان حلف إقليمي على اساس قومي تركي يؤمن بمنهجية التفوق العرقي.

وكان لافتا في مجال الدلالة على نزعة التفوق القومي التركي قول أردوغان في خطاب إعلانه ولادة منظمة الدول التركية : ” ان  منطقة تركستان، ستعود لتشكل  مجددا مركزا لجذب وتنوير البشرية جمعاء”.

ب – تبنت هذه المنظمة الجديدة  من خلال المشاركين في قمة اسطنبول،   وثيقة لتوجهاتها المستقبلية،  هي وثيقة  “رؤية العالم التركي 2040” التي سترسم المنظور المستقبلي لمنظمة الدول التركية .

ج-  اعتبر اردغان ان  قمة إسطنبول تلك  اكتسبت أهمية تاريخية، نظرا  لمشاركة تركمانستان فيها بصفة مراقب.

ثالثا – يظل  أخطر ما قاله اردوغان في مجال شرحه لما يفكر به تجاه مشروع منظمة الدول التركية،  هو ” اعتباره ان نصر  أذربيجان  في صراعها مع أرمينيا على إقليم قره باغ، هو إنجاز ، و انه يتوجب على ما أسماه ب ”  العالم التركي”  ان يفتخر بهذا الانجاز “؛ واضاف  في هذا المجال ،  ان  هذا الانجاز الاذري  سيفتح أبواب حقبة جديدة يسود فيها السلام والاستقرار والتعاون بمنطقة القوقاز.

واضح من كلام أردوغان في قمة اسطنبول التي شهدت ولادة منظمة الدول التركية ، انه يعتبر أنه يجب توظيف مساعدة تركيا العسكرية  لاذربيجان في حربها مع ارمينيا وانتصار الاولى بهذه الحرب ؛ لخلق مثل يغري كل دول تركيا القديمة للعودة إلى حضن اسطنبول. وبهذا المعنى أراد أردوغان من خلاله  دعوته العالم التركي كي يفتخر بنصر أذربيجان على ارمينيا بمساعدة تركيا، تطيير رسالة الى كل اعضاء منظمة الدول التركية، مفادها أنه  بات يمكن ” للعالم التركي” الذي يجب عليه التحول إلى  “عائلة تركية” اقليمية،  الاعتماد على نفس القوة التركية التي اعتمدت عليها أذربيجان لكسب صراعها مع ارمينيا، وذلك من أجل تحقيق مصالحها الوطنية المندمجة مع المصالح التركية .

.. بهذا المعنى فان أردوغان يطرح عنوانا استراتيجيا لمشروع منظمة الدول التركية ، وهو مشروع تحقيق  ” الغلبة التركية” في أكثر من منطقة،  وبخاصة في منطقة القوقاز ومنطقة المغرب العربي والساحل الإفريقي، انطلاقا من ليبيا.

وعلى نحو استراتجي، بات واضحا ان أنقرة تعتبر  مشروع منظمة  الدول التركية،  بمثابة فكرة  تستطيع انقرة من خلالها تجسيد   مشروع قيام ” قيادة تركية ” قادرة على  زيادة دور أنقرة في الشؤون الدولية والإقليمية.

.. ومن ناحية ثانية أساسية،  فان هذا المشروع يمنح أنقرة إمكانات تحقيق مطلب أردوغان الساعي لقيادة العالم الإسلامي، وذلك  من خلال مد اذرع نفوذ تركيا الناعمة التجارية والسياسية والعسكرية داخل كل  دول العالم التركي القديم.

ولا يغيب عن بال أنقرة في هذا المجال، ان سعيها  لفرض وتزيين  التعاون العسكري معها، من قبل دول  منظمة  الدول التركية ، سيحقق لانقرة مكاسب ، اهمها توسيع أسواق مبيعات الأسلحة التركية الصنع.

.. بالإضافة إلى ذلك ، يعتزم الأتراك عبر”  مشروع منظمة الدول التركية ”  استخدام الموارد البشرية للبلدان الناطقة باللغة التركية،  في العمليات العسكرية التركية التي تشنها في الخارج ، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

.. ومن باب المقاربة ، يجوز  الاستنتاج انه من الممكن أن تحاول تركيا  ، تكرار ما فعلته   مع أذربيجان في حرب ناغورنو كاراباخ ، مع كيرغيزستان التي هي عضو ايضا في منظمة الدول التركية ، حيث تقوم انقرة بحشد الدعم العسكري لها   لحل النزاع الحدودي مع طاجيكستان.

.. وهكذا تفكر تركيا بأن تروج لدورها بقيادة دول العالم الناطقة بالتركية، وذلك انطلاقا من تقديم امثولة  قدرة أنقرة كما ظهرت في صراع أذربيجان مع ارمينيا، كنموذج تحتذي به كل اعضاء منظمة الدول التركية لبلوغ اهدافها في منطقتها .

وبشكل مجمل يمكن القول ان أنقرة تريد تشجيع معادلة التبعية لها من قبل دول تركيا القديمة، بمقابل تلقي هذه الدول الحماية العسكرية والمساندة القتالية من الآلة العسكرية التابعة  للخلافة التركية الاردوغانية الجديدة.

والواقع ان توجه أنقرة لتحفيز العامل القومي كمبرر للاندماج تحت رعايتها، يؤدي بشكل مباشر وغير مباشر إلى تقوية النزعات الانفصالية  بين الأقليات التركية ، وذلك تحت تعاظم احساسها بالتفوق العرقي الذي تبثه بين مجتمعاتها الآلة الدعائية التركية .

.. ومن هنا ، وبالنظر إلى العامل الأفغاني ، فانه يمكن توقع  أن يتصاعد هذا الصراع ذو الخلفيات القومية ، باتجاه ان يصبح حربا واسعة النطاق في وسط آسيا، سيما وأن تاريخ تجربة القومية التركية حافل بالأحداث المأساوية التي أدت بالفعل إلى الإبادة الجماعية للأرمن والأكراد واليونانيين..  وعليه فان  انتشار القومية التركية بنسختها الاردوغانية الجديدة في آسيا الوسطى، ستؤدي  حتما إلى نشوب صراعات جديدة.