مؤتمر :” منصة القرم” : زيلنسكي ينفخ في الرماد

عقدت يوم ٢٣ شهر أب الماضي ٢٠٢٢ ” مؤتمر منصة القرم “، وذلك بواسطة خدمة الإنترنت، والواقع أن اهم الأسباب التي دفعت اوكرانيا لعقد هذا المؤتمر ، هو تيقن كييف بان الدول التي اجتمعت في إطار مبادرة منصة القرم في العام الماضي ( ٢٠٢١) أبدت في سلوكها الذي تلى ذاك الاجتماع تراجع اهتمامها في هذه المبادرة التي اطلقتها كييف بدعم خفي في جزء منه ،  وواضح في جزء اخر منه، من واشنطن.  كما ان كل محاولات كييف اللاحقة لتوسيع نطاق الدول المؤيدة لفكرة مبادرة منصة القرم ، واجهت فشلا واضحا؛ والسبب في ذلك عدم القناعة بالفكرة القانونية والسياسية والاخلاقية التي تطرحها كييف لتبرير مطالبتها بجزيرة القرم ، أضف الى أن موسكو نجحت في تعميم فكرة اوحت للعديد من دول العالم بان روسيا المنفتحة في علاقاتها مع دول العالم، الا انها لن تتسامح مع الدول التي تنساق مع كييف لدرجة تهديد امن روسيا القومي.

قراءة المزيد: مؤتمر :” منصة القرم” : زيلنسكي ينفخ في الرماد

والواقع ان هذا الموقف الروسي الجاد ، جعل العديد من دول العالم تضع مصالحها مع روسيا في كفة الميزان، بمقابل الطلب اليها بالانضمام لمبادرة منصة مؤتمر القرم .

كما ان حكام اوكرانيا الحاليين، اعطوا خلال المرحلة الأخيرة نموذج سيئ في التعاطي مع البيئات ذات الانتماءات الدينية او القومية  الأخرى التي تعيش  بين ظهرانيهم، سواء الروس منهم أو المسلمين التتار في أوكرانيا.. وما يدعو للغرابة،  هو انه في حين أن النازيين الجدد في أوكرانيا يمارسون تفرقة عنصرية ضد هذه البيئات،  فانهم بنفس الوقت يطلبون على سبيل المثال ،  من دول إسلامية اسيوية،  وعربية اسلامية، دعم مبادرة منصة القرم !!.

 ويتفق المراقبون على أن ما يسمى ” بقضية القرم” حسب المصطلح الغربي المشبوه؛  تراجع الاعتراف بها عالميا إلى حد كبير ، إذ أن  عدد الدول التي لا تزال ضمن مبادرة منصة القرم، تناقص  بشكل ملحوظ.  وبالمحصلة فان كل هذه القضية، أصبحت  محل عدم مبالاة دولية، بعد ان كان يراد منها أن  تشكل الأساس النظري الذي يبرر ويسوغ قيام عدد من دول العالم بفرض  عقوبات سياسية واقتصادية واسعة على روسيا.

وكان فولوديمير زيلينسكي، عمد خلال الأسابيع الماضية لإطلاق  مبادرته لعقد مؤتمر “منصة القرم”، وفي ذهنه أنه بذلك ينقذ البروباغندا الاعلامية الخاصة بقضية جزيرة القرم من النسيان والإهمال الدولي المتعاظم والمتزايد والمستمر .. وفي ذهنه أيضا،  أنه نظرا لوجود  الجهد الأميركي الدعائي الراهن ضد روسيا  على خلفية الحدث الأوكراني ، فإن  هذا يوفر فرصة لتحقيق امرين اثنين يريدهما النازيون الاوكران في هذه المرحلة ؛ الأولى استعمال التجييش الأميركي الراهن ضد روسيا، لمصلحة جذب المزيد من الدول إلى منصة القرم ووقف تراجع عدد الدول من مبادرة منصة القرم.   والثاني محاولة استخدام مؤتمر منصة القرم لجذب تمويل بحجة الحفاظ على استمرار منصة القرم .

الواقع أن حالة وجود أخطبوط  الفساد الذي يسود بيئة حكام كييف ، تمتد أذرعه إلى كل المجالات؛ ففي الوقت الذي تراهن فيه هذه المافيات الحاكمة على الافادة من تدفق مال دولي بحجة تمويل بقاء منصة مبادرة القرم، فأن هذه المافيات تستغل من ناحية ثانية، تدفق الأسلحة الغربية المجانية،  إلى أوكرانيا لقتال الجيش الروسي،  وتقوم هذه المافيات  ببيع هذه الأسلحة عبر  أطراف ثالثة وشبكات الاتجار بالاسلحة،  إلى جهات مختلفة في العالم. 

أن ما تقدم يوضح لماذا بدأ الكثير من دول العالم يعتبر منصة القرم بمثابة كمين للحصول على تمويل لصالح مافيا الحكم في كييف، ولماذا ينظر هؤلاء بعيون الريبة إلى كل محاولات كييف ومن ورائها موسكو،  لتوريط العالم في صراع ارادته إدارة بايدن لاضعاف اقتصاديات كل العالم،  وستدفع ثمنه أوكرانيا الواقعة تحت سلطة تمارس اعمال المافيا والفساد من ناحية،  وتقديم الخدمات المرعبة والدموية لخطط الناتو ضد روسيا واوروبا من ناحية ثانية.

أن ما يجدر الإشارة اليه في هذه الجزئية، هو ان النازيين الجدد في أوكرانيا يلعبون ضد مصالح أوروبا المعاصرة ، نفس الدور الذي لعبه هتلر ضد استقرار وإزدهار أوروبا خلال الحربين العالمية الأولى والثانية . واذا كانت الهتلرية النازية هزمت على يد الاتحاد السوفياتي في ستالينغراد خلال مطالع القرن الماضي ، فإن النازيين الجدد الأوكران الذين يشكلون رأس حربة اميركية ضد استقرار أوروبا من خلال تواطئهم مع الخطة الاميركية في أوكرانيا  لإضعاف أوروبا، سيهزمون من قبل العملية العسكرية الروسية الجارية حاليا في أوكرانيا.

والنقطة الثانية التي يجدر ايضا ملاحظته في هذا المجال، هو انه حتى الدول الأوروبية بدأت تكتشف حقيقة الكمين الأميركي الكبير لأوروبا في اوكرانيا، بدليل ان هذه الدول التي دعمت سابقا مبادرة أوكرانيا الخاصة بمنصة القرم، لم تعد قادرة ، وبالاحرى لم تعد مستعدة ان تنفق مزيدا من التكاليف المالية الاضافية في سبيل دعم مشاريع واشنطن وحكام كييف في أوكرانيا. كما أن الدول العربية والأفريقية بدأت تعتقد انها يجب انتهاج سلوك تجاه ما يحدث في أوكرانيا لا يعرضها لخسائر كبيرة في علاقاتها مع روسيا.

وخلاصة هذه الجزئية  تفيد بان العالم بات يشعر بثقل تكاليف محاولات واشنطن فرض احادية قطبية على العالم ، حيث تعتبر واشنطن أن مدخلها الأساس هو أوكرانيا واستنزاف ليس فقط روسيا، بل كل العالم في كمين أوكرانيا التي تعتبر فكرة تفعيل مؤتمر مبادرة منصة القرم جزء من خطة توريط المزيد من دول العالم في كمين استنزافها وادخالها في صراع لا تستفيد منه إلا أميركا وفاسدي كييف النازيين.

اهداف منصة القرم ٢٠٢٢ :

بالعودة  لمتابعة الأهداف الموضوعة  لعقد مؤتمر منصة القرم ، يلاحظ  ان كييف حاولت  حشد كل ” المعاني الرمزية”  لجعل “مؤتمر  منصة القرم ٢٠٢٢”،   يحظى بتعاطف اعلامي وسياسي عالمي غير مسبوق، فلقد تم على سبيل المثال ، تقصد ان يتزامن يوم عقد ” مؤتمر منصة القرم” مع “مناسبة عيد استقلال اوكرانيا” عن الإتحاد السوفياتي، كما تم تقصد جعل أعمال هذا المؤتمر،  تأتي في سياق الحشد الاعلامي الموجه من الناتو لجعل هناك صلة بين عقده،  وبين السردية الاعلامية المضللة المستخدمة من قبل الاعلام الغربي لتصوير احداث اوكرانيا الراهنة وكانها حرب مقاومة وحرب تحرير ضد روسيا..

وضمن هذا السياق الاعلامي التضليلي المركب ، قام إعلام كييف بإطلاق توصيفات مبالغ بها على” مؤتمر منصة القرم”،  حيث سماها بأنها “الحدث التاريخي ” وقال ان ” عقدها هو استكمال ليوم استقلال اوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي قبل ثلاثين عام” ،  الخ..

 وما تريده كييف من خلال تجيير كل هذا الضجيج الاعلامي والسياسي لصالح مؤتمر منصة القرم ، هو بحسب اعتراف وزارة الخارجية الاوكرانية ذاتها،  ” إعادة  تفعيل ما تسميه  بقضية   “احتلال” روسيا لشبه جزيرة القرم،  لتكون هذه القضية موجودة  دائما على الأجندة الدولية”.

والواقع انه مجرد طرح هذا الهدف من قبل الخارجية الاوكرانية بوصفه احد أبرز مبررات عقد مؤتمر القرم ، يؤشر إلى اعتراف كييف الواضح  بان كل ” شعار احتلال  القرم”  أصبح مستهلكا دوليا،  ولم يعد يرقى لمستوى انه قضية دولية..

اما الهدف الثاني الذي طرحته خارجية كييف كمبرر لعقد مؤتمر منصة القرم فيتمثل بحسب ما ورد حرفيا في بيانها،  بضرورة ” العمل للتمكن من الاستجابة للتحديات الأمنية المرتبطة بما تسميه باحتلال روسيل للقرم (… ) وزيادة الضغط الدولي على روسيا، وحثّ الدول على عدم الاعتراف بضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا”.

و مجمل هذه الأهداف الواردة أعلاه في بيان خارجية كييف ،  إنما  تؤكد على ثلاثة أمور:

الأول أن تسويق ” تحرير  جزيرة القرم”  على انها قضية دولية ، وأنه يجب حشد دولي من أجل ” تحريرها من الاحتلال الروسي” ، واجه فشلا كبيرا منذ اعلان هذه الفكرة العام الماضي وحتى الآن؛  بدليل ان كييف تحاول عبر مؤتمر منصة القرم ٢٠٢٢،  البدء من جديد بالتسويق لهذا الشعار ، ما يعني ان كل الجهد الماضي لم يلاق اي نجاح..

الأمر الثاني يتمثل بأن  كييف تحاول  إستغلال ” كارثة أوكرانيا الحالية” – التي تسببت بها رهانات النازيين الأوكران الجدد- ، كوسيلة لجذب دول الغرب؛  وبقية الدول الأخرى،   للإنضمام لمنصة مؤتمر القرم .

الأمر الثالث الذي أراد مؤتمر منصة القرم ٢٠٢٢،  قوله يمكن لحظ محتواه من خلال ما ورد في بيان خارجية كييف بخصوص الأهداف الكامنة وراء عقد هذا المؤتمر. حيث جاء في البيان الإدعاءات التالية: ” أن المؤتمر يهدف الى منع المزيد من إنتهاكات حقوق الإنسان في القرم؛ ويهدف الى تعويض تتار القرم جراء ما لحق بهم من أضرار، بسبب مواقفهم الرافضة للاحتلال الروسي؛  ويهدف الى مناقشة عسكرة القرم ومنطقتي بحر آزوف والبحر الأسود من قبل روسيا” . واضح ان اهداف مؤتمر منصة القرم ٢٠٢٢، وخاصة هدف عسكرة بحري ازوف والأسود، يصب في صلب الهدف الأميركي الاستراتيجي؛  وهو استنزاف قوة روسيا في أوكرانيا من جهة؛  واستنزاف اقتصاد أوروبا من خلال توسيع عملية توريطها في الكمين الأوكراني من جهة،  ومن جهة ثانية من خلال توسيع نطاق الميدان العسكري لكمين أوكرانيا بحيث تنضم اليه  جزيرة القرم ومناطق بحر ازوف والبحر الأسود.

” مسرحية سفينة لوديسيا”الغرب مسؤول عن الأزمة الخطرة في سوق الحبوب العالمي

أنتهت مؤخرا في لبنان التحقيقات بقضية السفينة لوديسيا المحملة بالحبوب الأوكرانية، وترفع العلم السوري؛ وتم السماح لها بالمغادرة من قبل النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وذلك  بعد أيام من إحتجازها من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية إثر معلومات قدمتها أوكرانيا بأن حمولتها مسروقة. 

أن ما حدث على مدار فترة احتجاز السفينة لوديسيا في لبنان ، كان يظهر أن هناك مسرحية افتراءات وخلق ضجة اعلامية وسياسية دبلوماسية مفتعلة،  شاركت بها كييف التي عبرت وزارة خارجيتها وسفيرها في لبنان من جهة عن غضب أوكرانيا من إستقبال لبنان سفينة لوديسيا؛ وشاركت بها من جهة ثانية مجموعة من الدول الغربية بقيادة واشنطن التي هددت لبنان بتعرفه لأزمة دبلوماسية دولية نتيجة استقباله لسفينة لوديسيا(!!) .

فمن ناحيته سفير كييف في لبنان،  طلب من باب تضخيم الحدث ،  لقاء رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ، وتقصد ان يركز في تصريحه  بعد اللقاء، على  أنه بحث معه قضية السفينة لوديسيا؛ محاولا إظهار  أن هذه القضية هي محل إشكاليتين إثنتين قانونية وسياسية: الإشكالية  الأولى تدعي بأن حمولة السفينة من الحبوب الأوكرانية مسروقة من أراض أوكرانية تقع خارج تواجد القوات الروسية، والإشكالية الثانية تزعم  أن هذه القضية تظهر ضرورة أن تقاطع دول العالم إستقبال أية حمولة من الحبوب الأوكرانية،  تأتي على متن سفن روسية أو ترفع علما لدولة حليفة لروسيا ، أو  لا تأتي عن طريق  سلطات كييف!!.

بمعنى أخر يريد حكام كييف حصر موضوع التجارة بالحبوب الأوكراني بيدهم، علما أن مناطق واسعة من أوكرانيا تعيش ظروف أمر واقع مختلفة،  وتشهد حركة تجارة على مستوى القطاع الخاص، وذلك بشكل قانوني.

وفيما تكفل سفير كييف في بيروت،  بافتعال الخلفيات القانونية والسياسية لموضوع السفينة لوديسيا؛ فإن الدول الغربية المنقادة من واشنطن تكفلت باثارة موضوع السفينة لوديسيا مع لبنان ، إنطلاقا من أن لها تداعيات قد  تتسبب بأزمة دبلوماسية عالمية للبنان،  لأنه أستقبل في أحد مرافئه سفينة محملة بحبوب أوكرانية مسروقة،  ومرسلة من مناطق أوكرانية لا تقع تحت سيطرة حكام كييف، وذلك دائما حسبما جاء في إدعاءات السفير الأوكراني في بيروت،  وحسبما جاء أيضا في “بيانات إحتجاجية وأنذارات رسمية ” ارسلتها دول غربية لبيروت. . 

والواقع أنه على مدار فترة إدارة القضاء اللبناني لسلسة تحقيقاته بقضية السفينة لوديسيا، كانت تمعن وزارات الخارجية في عدد من  الدول الغربية بممارسة حملة ضغط دبلوماسي على بيروت،  من خلال توجيه رسائل وانذارات تحذر لبنان من مغبة إستقباله سفينة لوديسيا.

وفي نفس هذا  الوقت الذي كانت فيه قضية لوديسيا تتفاعل في لبنان، فإن  الإعلام الغربي واكب ذلك،  من خلال شن حملة إعلامية عالمية إنطلاقا من إنشاء مشهد متخيل ومفتعل يوحي بان سفينة لوديسيا هي جزء من مسلسل  من إبحار سفن عديدة  ترفع العلم السوري وأحيانا الروسي،  وعلى متنها حبوب أوكرانية تم حصادها في الموسم الماضي،  ونقلتها موسكو إلى سورية خلال الشهرين الماضيين.

 وأضافت هذه الرواية الإعلامية ان شركة “ماكسار” الأميركية المتخصصة بإلتقاط الصور عبر الأقمار الصناعية،  هي التي إلتقطت صور إبحار هذه السفن، وأن سفينة لوديسيا ليست هي ألا  مشهد واحدا من مشاهد بيع روسيا  لحبوب أوكرانية مسروقة من مناطق تسيطر عليها كييف أو من مناطق تسيطر عليها روسيا في اوكرانيا وفي جزيرة القرم !! .. 

إلى هنا كامل وقائع  أزمة سفينة لوديسيا كما عرضتها الدعاية الاوكرانية الأميركية الغربية، و التي كان  اطلق شراراتها الاولى  في بيروت سفير كييف في لبنان،  فيما تكفل  الغرب بتحويلها الى أزمة دبلوماسية دولية، وذلك في الوقت الذي إستنفر  الإعلام الغربي لمواكبتها تحت عنوان أنها جزء من  ” جريمة قرصنة وسرقة روسيا لحبوب أوكرانيا”.. 

ولكن كل هذه الحملة الإعلامية المصحوبة بصراخ السفير الأوكراني في بيروت،  والمتصاحبة مع ببيانات الإنذار للبنان من الدول الغربية، تبين من خلال التحقيق القضائي الذي جرى في لبنان للتأكد من قانونية حمولة السفينة،  أنها مجرد عاصفة من الكذب المكشوف، وليس هناك أية مصداقية لعناصر الإدانة التي قدمتها.. 

.. وأخيرا أمكن للحقيقة أن تظهر،  حيث  تم السماح للسفينة “لوديسيا” التي كانت رست في مرفأ طرابلس في شمال لبنان ،  بالإبحار الى وجهتها ، بعدما اثبتت التحقيقات القضائية اللبنانية على وجه اليقين. ان كل إدعاءات أوكرانيا عن أن حمولة السفينة من الطحين والشعير  مسروقة، ليست صحيحة وعارية من الصحة بالكامل.  

وأكثر من ذلك، فإن مصادر القضاء اللبناني كشفت  أن نتائج التحقيقات  التي أجريت منذ وصول الباخرة “لوديسيا ” الى مرفأ طرابلس، لم تثبت وجود جرم جزائي، ولم تثبت أن البضاعة مسروقة، ولفتت هذه المصادر القضائية  الى أن “الشخص السوري الذي شحنت البضاعة باسمه من أوكرانيا ، حضر الى التحقيق،  وسلم الأوراق والمستندات التي تبين ملكيته للبضاعة”.

والواقع ان كل هذه النتائج التي اظهرتها تحقيقات القضاء اللبناني تثبت أن ما إدعاه  السفير الأوكراني في بيروت ايهور أوستاش بخصوص أن السفينة لوديسيا،  دخلت ميناء طرابلس بشكل مخالف للقانون، وأن حمولتها من الحبوب الأوكرانية مسروقة ، كانت محض إفتراءات مقصودة،  وعن سابق تصميم.. وعليه فإن الخارجية اللبنانية تستطيع لو أرادت،  أن تطلب من كييف تقديم  إعتذار للبنان،  نظرا لتسرع أوكرانيا في إطلاق حملة ضده،  لم يكن لها ما يبررها، بل هناك شكوك بأنها كانت مقصودة،  وترمي لإدارة حملة دعائية مفبركة إنطلاقا من لبنان ضد جهة ثالثة ( روسيا)؛ علما أن  لبنان غير معني بهذا الصراع،  حتى تورطه واشنطن وكييف على  تحمل تبعاته.

وما بات معروفا بخصوص الخلفيات المستترة الكامنة وراء  قضية السفينة لوديسيا،  هو ان كييف ومعها واشنطن حاولتا من خلال ” لوديسيا “، – ولا تزال  تحاولان من خلال البحث عن ازمات أخرى مشابهة- ، إفتعال أزمة عالمية عنوانها ان روسيا تقوم بقرصنة تعترض  تصدير منتوجات الغذاء الاساسية الاوكرانية حول العالم..

والسبب الذي يجعل واشنطن تشجع كييف على السير بهذه الحملة ، هو معرفة اميركا المسبقة بان العالم ، نتيجة تداعيات قرار  ادارة بايدن باشعال لهيب الأزمة الأوكرانية، سيدخل خلال الفترة المنظورة  بازمة حادة على مستوى القدرة على توفير المواد الأساسية الغذائية كالقمح ومشتقاته؛  وأيضا سيدخل العالم، في أزمة ندرة توفر الغاز في أوروبا من جهة ،  وارتفاع سعره من جهة ثانية  في بقية أنحاء العالم ..وعليه فان كييف تعمل بتوجيه من واشنطن على افتعال ” سرديات اعلامية وسياسية مفتعلة”  تفيد بأن هناك عمليات قرصنة لمنتوجاتها الغذائية المصدرة الى دول العالم؛ وأن هذه القرصنة الروسية،  أو التي تتم بالتشارك بين موسكو ودول حليفة لها،  هي المسؤولة عن أزمة الحبوب والغذاء العالمية الحادة  المنتظرة،  وليس أميركا أو كييف اللتين اخذتا العالم إلى تداعيات خطرة نتيجة إشعالهما الوضع الأوكراني بهدف تطويق روسيا،  وجعل أوروبا القارة العجوزة محتاجة على نحو كلي لعون الولايات المتحدة الأميركية وحمايتها.

من المعروف أن أوكرانيا توصف بأنها ” سلة خبز اوروبا ودول عديدة في العالم “.. ومعروف ان روسيا تعرف بأنها مصدر الغاز الذي يجعل القارة أوروبا دافئة في شتائها البارد.. وكل هذا يجعل واشنطن مدانة بافتعال قضايا مفبركة ، كقضية السفينة لوديسيا ، لتقول من خلالها وخاصة للرأي العام الأوروبي ان  المسؤول عن حاجة أوروبا للقمح كي تاكل والغاز كي تشغل المدافئ ، هي ممارسات روسيا وليس رغبة واشنطن بإستمرار الحرب في أوكرانيا. 

لا شك  أن سياسات واشنطن تجاه أوكرانيا هي المسؤولة عن ما يمر به  سوق الحبوب العالمي من وضع صعب جدا؛  وبات هناك حاجة ملحة كي تكف  واشنطن  عن سياسات العقوبات على روسيا التي تؤدي إلى توتر عميق في سوق الحبوب العالمية.

وما يحمل إلى المزيد من القلق العالمي هو أن  أزمة سوق الحبوب العالمية ستصبح  اسوأ، مع  تعزز حدوث  ظروف جوية غير مؤاتية لعملية تخفيف وطأة الإتجاهات السلبية في السوق الغذائي ..  والواقع ان تظافر كل هذه الوقائع،  سيخلق  توترا طويل المدى في سلة العالم الغذائية الأساسية ،  وسيكون الغرب هو المذنب الأساسي والوحيد عن كل هذا الوضع..

لماذا سبقت السفينة اليونانية هوكشتاين إلى مربع تسوية تقاسم الغاز بين بيروت وتل أبيب؟

السؤال الذي يطرح نفسه في لبنان هو كيف يمكن قراءة  القرار الاسرائيلي بإحضار الباخرة اليونانية إلى مقربة من حقل كاريش، علما ان تل أبيب تعلم أن هذا الحقل هو محل نزاع عليه مع لبنان وان اي اجراء عملي فيه لاستخراج الغاز سيهدد بإشتعال الجبهة بين إسرائيل ولبنان؟!..  هناك نوعان من الإجابة على هذا السؤال داخل الكواليس اللبنانية، الجواب الأول يقول ان قرار وصول الباخرة اليونانية إلى كاريش، هو قرار أميركي قبل أن يكون قرارا إسرائيليا، وهدف واشنطن من ذلك، هو جعل إسرائيل إحدى الدول المعتمدة في العالم  ليجري منها تصدير الغاز المخصص لتعويض أوروبا عن الغاز الروسي.  ويقول أصحاب هذا الرأي ان إسرائيل تستفيد بلا شك من الغطاء الاميركي الكبير المقدم لها في ملف كاريش ، ولكن تل أبيب تعلم أن إيجابية الموقف الاميركي الخاص بكاريش،  قد يكون مفيدا لها بما خص لبنان ، ولكن في حسابات لعبة الامم الاكبر،  وحسابات الصراع على أوروبا، والتدهور المتعاظم للعلاقات الأميركية – الروسية، فإن إسرائيل يجب أن تكون أكثر حذرا جراء ان تنزلق بشكل كبير في الصراع  الروسي- الاميركي في اوكرانيا .                                             اما الإجابة الثانية المطروحة في الكواليس اللبنانية فتقول ان الباخرة اليونانية وصلت إلى كاريش،  كونه سبق وصولها تسوية تحت الطاولة شارك فيها الجميع في لبنان . ويقول أصحاب هذه الاجابة ان كل القصة تقع في السؤال حول لماذا سبق وصول  الباخرة اليونانية إلى حلبة التسوية في كاريش وصول المبعوث الاميركي هوكشتاين إلى حلبة التسوية اللبنانية الاسراىيلية؟؟.  وفي متن الإجابة عن هذا السؤال تكمن قصة التسوية التي (تمت !) او التي تم (التوافق على ملامحها العامة !)؛ فهوكشتاين هو مخرج التسوية بينما الباخرة اليونانية هي مادة سيناريو التسوية التي عنوانها ( قانا مقابل كاريش).

قراءة المزيد: لماذا سبقت السفينة اليونانية هوكشتاين إلى مربع تسوية تقاسم الغاز بين بيروت وتل أبيب؟

ما هي هذه التسوية ؟  تجيب هذه المصادر أن التسوية التي (تمت !!) تضمن للبنان حقل قانا بمقابل اعطاء “حقل كاريش” لإسرائيل.  ويقول هؤلاء أيضا أن ثمة تسوية قد تحصل على خط متعرج ، يتضمن  اعطاء زيادة ما من الغاز للبنان ، ولكن بالمبدأ فإن اموس هوكشتاين سيأتي إلى لبنان ليتم وضع إخراج لتظهير التسوية التي (تمت !) والتي  ترمز اليها ( الباخرة اليونانية) التي تقف   منذ أيام بالقرب من كاريش لجهة فلسطين المحتلة.  وتلفت هذه المصادر في هذا السياق  الى الامور التالية:                                                          هوكشتاين كان تحدث عن إنجاز التوقيع بين لبنان واسرائيل على ترسيم الحدود البحرية،  قبل الانتخابات النيابية؛ وقال انه لم يقبل بتأجيل هذا الملف الى ما بعد الانتخابات ؛ ولكن فجأة لم يعد هناك أي حديث عن هذا الموضوع ؛ والسبب هو أنه قبل الانتخابات النيابية  تقرر إجراء تواصل بعيد عن الاعلام بين قنوات هوكشتاين وقنوات لبنانية ، و تم خلالها – حسب المعلومات – إقرار عنوان التسوية وهو ( قانا مقابل كاريش)  ، ثم تم الاتفاق على تأجيل إعلان هذا الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات ، لأن كل الأطراف اللبنانية  في وقت الحملات الانتخابية،  تكون غير  قادرة على اتخاذ قرارات غير شعبوية .  هوكشتاين هو استمرار في نهجه إلى “منهجية هوف “الذي تحدث عن “مبدأ التوحيد “؛ و”مبدأ التوحيد ” يعني أنه لن يكون هناك سيادة لا للبنان ولا لاسراىيل ، على الغاز الموجود في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان واسرائيل، بل ستكون  السيادة للشركات التي تقوم باستخراج الغاز،  والتي سيكون من مهامها أيضا بيع الغاز اللبناني والاسرائيلي بصورة مباشرة إلى السوق العالمي ، ومن ثم ومن بعد بيعه ، تقوم هذه الشركات بإعطاء كل من لبنان وإسرائيل نسبة من هذه المبيعات . ولا شك ان مصطلح “مبدأ التوحيد ” سيكون  في الفترة المنظورة ، احد مفاتيح السر في التسوية التي (تمت !) حسب البعض،  او في التسوية  التي (هناك توافق عليها) حسب البعض الآخر الأكثر حذرا؛ وبكل الاحوال فان مصطلح “مبدأ التوحيد ” سيعني الأمور التالية :

اولا – مع مبدأ التوحيد لن يكون  هناك  أية ضمانة بأن يتم بعد استخراج الغاز ، إعطاء لبنان الأموال التي هي ثمن الغاز  العائد له، ذلك أن أن المجتمع الدولي سيتصرف بأموال الغاز اللبناني في ثلاثة اتجاهات:                                                                           1- سداد ديون لبنان الخارجية .

2- تمويل إصلاحات بشكل مباشر وليس عبر الدولة .

3 – اعادة أموال المودعين وترميم القطاع المصرفي. 

ثانيا – مبدأ التوحيد يعني أن الشركات التي ستستخرج الغاز اللبناني والاسرائيلي يجب أن يكون لديهما سقف سياسي واحد وتوجه سياسي دولي واحد .                               والواقع ان مبدأ التوحيد كان طرح على ايام إدارة أوباما بوصفه حلا تحكيميا  لخلاف مستحكم بين تل أبيب وبيروت ، بينما اليوم يتم طرحه على ايام بايدن، بوصفه حلا يعطي أميركا امكانية التدخل عبر الشركات المستخرجة،  لجعل مصب الغاز اللبناني هو حيث تريد واشنطن في هذه المرحلة التي تخوض فيها حربا عالمية  لاخراج الغاز الروسي من اوروبا ، وليحل مكانه غاز المزيج من دول العالم . وفي بعد اخر لزيارة هوكشتاين ونتائجها التي ستبقى غير علنية بحسب الكثير من التوقعات، فإنه توجد نظرية على أهمية عالية، وهي تقول انه هل من الممكن أن تترك ايران ، وحتى روسيا ايضا، واشنطن تقوم بكل حرية بهندسة الغاز اللبناني والاسرائيلي بشكل بعيد عنهما؟؟.  وهذه النظرية تتوقع أن يقوم  الايراني عبر الكثير من الأدوات  التي يملكها ، بمنع واشنطن وتل أبيب من القيام بالحفر في كاريش، إلا إذا كان لطهران رأي في تسوية الغاز التي يتم الحديث عنها، والتي يقال ان الباخرة اليونانية وصلت إلى منطقة كاريش  كعلامة على حصولها، وليس كعلامة على  امكانية حصول اشتباك بسبب وجودها. 

والواضح من التصريحات الإسرائيلية،  أن هناك لهجة تتحدث عن ضرورة  وضع اللمسات الأخيرة على  التسوية،  وليس عن ضرورة البدء بالتسوية؛ فمثلا احد الوزراء الإسرائيليين الذين هم على صلة بملف الغاز ؛  قال قبل أيام ان إسرائيل ستقترح على لبنان ان تقوم هي ببيع الغاز للسوق العالمي،  وتقوم هي ( أي اسرائيل) بإعطاء لبنان حصته من ثمنه. والواقع أن كلام الوزير الاسرائيلي يعني شيئا واحدا مهما، وهو أن الوزير الاسرائيلي ينطلق في كلامه من نقطة أن ” مبدأ التوحيد” أصبح هو السائد في التسوية بين لبنان واسرائيل ، وعليه فهو يحاول فقط، ادخال تعديل  على تنفيذ الاتفاق القائم على مبدأ التوحيد؛ وليس على الاتفاق ذاته، وذلك من خلال قيامه بطرح فكرة ان تقوم إسرائيل ببيع الغاز الاسرائيلي – اللبناني للسوق العالمية، بدل أن تقوم الشركة المستخرجة بذلك.  وكل الوضع المتعلق بالغاز الاسرائيلي – اللبناني،  مرتبط حاليا بعنصرين اساسيين :                                  العنصر الأول هو فترة اختبار استراتيجية غير معلنة ، ومضمونها ان واشنطن ومعها تل أبيب،  تقصدت ان تبحر الباخرة اليونانية كل هذه المسافة الطويلة حتى وصولها لقبالة حقل كاريش. وتقصدت ان تقف الباخرة اليونانية  كل هذا الوقت بجانب حقل كاريش، ذلك أن ما تريده اميركا من إطالة الوقت الصعب ووقت الغموض ، هو معرفة ما اذا كان هناك طرف غير معلوم يريد تخريب تسوية “مبادلة كاريش بحقل قانا” ويريد معرفة ما اذا كان هناك جهات كبرى تريد في ظل تعقد مفاوضات فيينا وتعاظم  الأزمة الاوكرانية، تخريب اي دور أميركي في منطقة يوجد فيها نفوذ أيضا لروسيا وإيران.   العنصر الثاني هو الانتخابات الأميركية النصفية التي يحتاج فيها بايدن لصورة تظهره بأنه يحقق إنجازات خارجية ، وربما كانت الباخرة اليونانية المرابطة في  كاريش،  هي بداية حملة  ضغوط تعتزم  أميركا القيام بها  لإكمال تسوية ترسيم الغاز اللبناني الاسرائيلي التي – على ما يبدو – لا يزال هناك أطراف داخلية وخارجية لم  يجدوا بعد  مساحة  لأنفسهم  بداخلها!!. ثمة أمر آخر هام يتم طرحه في إطار الكلام عن ما سيتواصل إليه هوكشتاين في زيارته للبنان وإسرائيل، وبغض النظر عن ما اذا كان هناك تسوية أبرمت ولم يعلن عنها او ان هناك توجه لإبرام تسوية تقاسم الغاز بين بيروت وهل أبيب..  والسؤال هو هل بعد تقاسم الغاز اللبناني الاسرائيلي سيتم فتح ملف تقاسم الغاز اللبناني – السوري؟. ام ان واشنطن سترفض فتح اي ملف مع سورية، وبضمنه ملف الغاز المشترك مع لبنان ، وذلك  طالما أن النظام السوري لم يقدم إصلاحات في التسوية الداخلية السورية ( على حد تعبير حجة  أميركا المتكررة ) .  ان موقف من هذا القبيل لأميركا،  سيعني ممارسة ازدواجية واضحة في المعايير، ذلك انه كيف يحق لإسرائيل البت بكل ملفات ثروتها ( التي تغتصبها) مع الدول المجاورة لفلسطين المحتلة، علما ان تل أبيب لم تنصاع حتى اليوم لأي من قرارات الامم المتحدة التي تدعوها للانسحاب من المناطق العربية التي تحتلها، فيما سورية هي دولة لا تحتل أرض،  ومع ذلك لا يحق لها من وجهة نظر أميركا تقاسم غازها مع الدولة المجاورة لها.