عقدت يوم ٢٣ شهر أب الماضي ٢٠٢٢ ” مؤتمر منصة القرم “، وذلك بواسطة خدمة الإنترنت، والواقع أن اهم الأسباب التي دفعت اوكرانيا لعقد هذا المؤتمر ، هو تيقن كييف بان الدول التي اجتمعت في إطار مبادرة منصة القرم في العام الماضي ( ٢٠٢١) أبدت في سلوكها الذي تلى ذاك الاجتماع تراجع اهتمامها في هذه المبادرة التي اطلقتها كييف بدعم خفي في جزء منه ، وواضح في جزء اخر منه، من واشنطن. كما ان كل محاولات كييف اللاحقة لتوسيع نطاق الدول المؤيدة لفكرة مبادرة منصة القرم ، واجهت فشلا واضحا؛ والسبب في ذلك عدم القناعة بالفكرة القانونية والسياسية والاخلاقية التي تطرحها كييف لتبرير مطالبتها بجزيرة القرم ، أضف الى أن موسكو نجحت في تعميم فكرة اوحت للعديد من دول العالم بان روسيا المنفتحة في علاقاتها مع دول العالم، الا انها لن تتسامح مع الدول التي تنساق مع كييف لدرجة تهديد امن روسيا القومي.
قراءة المزيد: مؤتمر :” منصة القرم” : زيلنسكي ينفخ في الرمادوالواقع ان هذا الموقف الروسي الجاد ، جعل العديد من دول العالم تضع مصالحها مع روسيا في كفة الميزان، بمقابل الطلب اليها بالانضمام لمبادرة منصة مؤتمر القرم .
كما ان حكام اوكرانيا الحاليين، اعطوا خلال المرحلة الأخيرة نموذج سيئ في التعاطي مع البيئات ذات الانتماءات الدينية او القومية الأخرى التي تعيش بين ظهرانيهم، سواء الروس منهم أو المسلمين التتار في أوكرانيا.. وما يدعو للغرابة، هو انه في حين أن النازيين الجدد في أوكرانيا يمارسون تفرقة عنصرية ضد هذه البيئات، فانهم بنفس الوقت يطلبون على سبيل المثال ، من دول إسلامية اسيوية، وعربية اسلامية، دعم مبادرة منصة القرم !!.
ويتفق المراقبون على أن ما يسمى ” بقضية القرم” حسب المصطلح الغربي المشبوه؛ تراجع الاعتراف بها عالميا إلى حد كبير ، إذ أن عدد الدول التي لا تزال ضمن مبادرة منصة القرم، تناقص بشكل ملحوظ. وبالمحصلة فان كل هذه القضية، أصبحت محل عدم مبالاة دولية، بعد ان كان يراد منها أن تشكل الأساس النظري الذي يبرر ويسوغ قيام عدد من دول العالم بفرض عقوبات سياسية واقتصادية واسعة على روسيا.
وكان فولوديمير زيلينسكي، عمد خلال الأسابيع الماضية لإطلاق مبادرته لعقد مؤتمر “منصة القرم”، وفي ذهنه أنه بذلك ينقذ البروباغندا الاعلامية الخاصة بقضية جزيرة القرم من النسيان والإهمال الدولي المتعاظم والمتزايد والمستمر .. وفي ذهنه أيضا، أنه نظرا لوجود الجهد الأميركي الدعائي الراهن ضد روسيا على خلفية الحدث الأوكراني ، فإن هذا يوفر فرصة لتحقيق امرين اثنين يريدهما النازيون الاوكران في هذه المرحلة ؛ الأولى استعمال التجييش الأميركي الراهن ضد روسيا، لمصلحة جذب المزيد من الدول إلى منصة القرم ووقف تراجع عدد الدول من مبادرة منصة القرم. والثاني محاولة استخدام مؤتمر منصة القرم لجذب تمويل بحجة الحفاظ على استمرار منصة القرم .
الواقع أن حالة وجود أخطبوط الفساد الذي يسود بيئة حكام كييف ، تمتد أذرعه إلى كل المجالات؛ ففي الوقت الذي تراهن فيه هذه المافيات الحاكمة على الافادة من تدفق مال دولي بحجة تمويل بقاء منصة مبادرة القرم، فأن هذه المافيات تستغل من ناحية ثانية، تدفق الأسلحة الغربية المجانية، إلى أوكرانيا لقتال الجيش الروسي، وتقوم هذه المافيات ببيع هذه الأسلحة عبر أطراف ثالثة وشبكات الاتجار بالاسلحة، إلى جهات مختلفة في العالم.
أن ما تقدم يوضح لماذا بدأ الكثير من دول العالم يعتبر منصة القرم بمثابة كمين للحصول على تمويل لصالح مافيا الحكم في كييف، ولماذا ينظر هؤلاء بعيون الريبة إلى كل محاولات كييف ومن ورائها موسكو، لتوريط العالم في صراع ارادته إدارة بايدن لاضعاف اقتصاديات كل العالم، وستدفع ثمنه أوكرانيا الواقعة تحت سلطة تمارس اعمال المافيا والفساد من ناحية، وتقديم الخدمات المرعبة والدموية لخطط الناتو ضد روسيا واوروبا من ناحية ثانية.
أن ما يجدر الإشارة اليه في هذه الجزئية، هو ان النازيين الجدد في أوكرانيا يلعبون ضد مصالح أوروبا المعاصرة ، نفس الدور الذي لعبه هتلر ضد استقرار وإزدهار أوروبا خلال الحربين العالمية الأولى والثانية . واذا كانت الهتلرية النازية هزمت على يد الاتحاد السوفياتي في ستالينغراد خلال مطالع القرن الماضي ، فإن النازيين الجدد الأوكران الذين يشكلون رأس حربة اميركية ضد استقرار أوروبا من خلال تواطئهم مع الخطة الاميركية في أوكرانيا لإضعاف أوروبا، سيهزمون من قبل العملية العسكرية الروسية الجارية حاليا في أوكرانيا.
والنقطة الثانية التي يجدر ايضا ملاحظته في هذا المجال، هو انه حتى الدول الأوروبية بدأت تكتشف حقيقة الكمين الأميركي الكبير لأوروبا في اوكرانيا، بدليل ان هذه الدول التي دعمت سابقا مبادرة أوكرانيا الخاصة بمنصة القرم، لم تعد قادرة ، وبالاحرى لم تعد مستعدة ان تنفق مزيدا من التكاليف المالية الاضافية في سبيل دعم مشاريع واشنطن وحكام كييف في أوكرانيا. كما أن الدول العربية والأفريقية بدأت تعتقد انها يجب انتهاج سلوك تجاه ما يحدث في أوكرانيا لا يعرضها لخسائر كبيرة في علاقاتها مع روسيا.
وخلاصة هذه الجزئية تفيد بان العالم بات يشعر بثقل تكاليف محاولات واشنطن فرض احادية قطبية على العالم ، حيث تعتبر واشنطن أن مدخلها الأساس هو أوكرانيا واستنزاف ليس فقط روسيا، بل كل العالم في كمين أوكرانيا التي تعتبر فكرة تفعيل مؤتمر مبادرة منصة القرم جزء من خطة توريط المزيد من دول العالم في كمين استنزافها وادخالها في صراع لا تستفيد منه إلا أميركا وفاسدي كييف النازيين.
اهداف منصة القرم ٢٠٢٢ :
بالعودة لمتابعة الأهداف الموضوعة لعقد مؤتمر منصة القرم ، يلاحظ ان كييف حاولت حشد كل ” المعاني الرمزية” لجعل “مؤتمر منصة القرم ٢٠٢٢”، يحظى بتعاطف اعلامي وسياسي عالمي غير مسبوق، فلقد تم على سبيل المثال ، تقصد ان يتزامن يوم عقد ” مؤتمر منصة القرم” مع “مناسبة عيد استقلال اوكرانيا” عن الإتحاد السوفياتي، كما تم تقصد جعل أعمال هذا المؤتمر، تأتي في سياق الحشد الاعلامي الموجه من الناتو لجعل هناك صلة بين عقده، وبين السردية الاعلامية المضللة المستخدمة من قبل الاعلام الغربي لتصوير احداث اوكرانيا الراهنة وكانها حرب مقاومة وحرب تحرير ضد روسيا..
وضمن هذا السياق الاعلامي التضليلي المركب ، قام إعلام كييف بإطلاق توصيفات مبالغ بها على” مؤتمر منصة القرم”، حيث سماها بأنها “الحدث التاريخي ” وقال ان ” عقدها هو استكمال ليوم استقلال اوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي قبل ثلاثين عام” ، الخ..
وما تريده كييف من خلال تجيير كل هذا الضجيج الاعلامي والسياسي لصالح مؤتمر منصة القرم ، هو بحسب اعتراف وزارة الخارجية الاوكرانية ذاتها، ” إعادة تفعيل ما تسميه بقضية “احتلال” روسيا لشبه جزيرة القرم، لتكون هذه القضية موجودة دائما على الأجندة الدولية”.
والواقع انه مجرد طرح هذا الهدف من قبل الخارجية الاوكرانية بوصفه احد أبرز مبررات عقد مؤتمر القرم ، يؤشر إلى اعتراف كييف الواضح بان كل ” شعار احتلال القرم” أصبح مستهلكا دوليا، ولم يعد يرقى لمستوى انه قضية دولية..
اما الهدف الثاني الذي طرحته خارجية كييف كمبرر لعقد مؤتمر منصة القرم فيتمثل بحسب ما ورد حرفيا في بيانها، بضرورة ” العمل للتمكن من الاستجابة للتحديات الأمنية المرتبطة بما تسميه باحتلال روسيل للقرم (… ) وزيادة الضغط الدولي على روسيا، وحثّ الدول على عدم الاعتراف بضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا”.
و مجمل هذه الأهداف الواردة أعلاه في بيان خارجية كييف ، إنما تؤكد على ثلاثة أمور:
الأول أن تسويق ” تحرير جزيرة القرم” على انها قضية دولية ، وأنه يجب حشد دولي من أجل ” تحريرها من الاحتلال الروسي” ، واجه فشلا كبيرا منذ اعلان هذه الفكرة العام الماضي وحتى الآن؛ بدليل ان كييف تحاول عبر مؤتمر منصة القرم ٢٠٢٢، البدء من جديد بالتسويق لهذا الشعار ، ما يعني ان كل الجهد الماضي لم يلاق اي نجاح..
الأمر الثاني يتمثل بأن كييف تحاول إستغلال ” كارثة أوكرانيا الحالية” – التي تسببت بها رهانات النازيين الأوكران الجدد- ، كوسيلة لجذب دول الغرب؛ وبقية الدول الأخرى، للإنضمام لمنصة مؤتمر القرم .
الأمر الثالث الذي أراد مؤتمر منصة القرم ٢٠٢٢، قوله يمكن لحظ محتواه من خلال ما ورد في بيان خارجية كييف بخصوص الأهداف الكامنة وراء عقد هذا المؤتمر. حيث جاء في البيان الإدعاءات التالية: ” أن المؤتمر يهدف الى منع المزيد من إنتهاكات حقوق الإنسان في القرم؛ ويهدف الى تعويض تتار القرم جراء ما لحق بهم من أضرار، بسبب مواقفهم الرافضة للاحتلال الروسي؛ ويهدف الى مناقشة عسكرة القرم ومنطقتي بحر آزوف والبحر الأسود من قبل روسيا” . واضح ان اهداف مؤتمر منصة القرم ٢٠٢٢، وخاصة هدف عسكرة بحري ازوف والأسود، يصب في صلب الهدف الأميركي الاستراتيجي؛ وهو استنزاف قوة روسيا في أوكرانيا من جهة؛ واستنزاف اقتصاد أوروبا من خلال توسيع عملية توريطها في الكمين الأوكراني من جهة، ومن جهة ثانية من خلال توسيع نطاق الميدان العسكري لكمين أوكرانيا بحيث تنضم اليه جزيرة القرم ومناطق بحر ازوف والبحر الأسود.
Filed under: Uncategorized | Leave a comment »